أكد الكاتب الصحفي، عماد الدين حسين، أن الحكومة الحالية أخطأت التقدير في توقعها لرد المقاومة المجتمعية، وفي مقدمتها الشباب على نقل تبعية جزيرتي "تيران وصنافير" إلى السعودية، مشيرًا إلى أن حجم الاعتراض جاء أكثر مما كان متوقعًا، وهو ما وضح في تظاهرات "جمعة الأرض". ودعا حسين، النظام الحالي إلى أن يستوعب هذا التغيير، ويتعامل معه بشكل واقعي «حتى لا نخبط في الحيط»، موضحًا أن الشباب الذين شاركوا في تظاهرات 25 إبريل لم يكونوا من الإخوان أو أي تنظيمات دينية. وطالب حسين، الحكومة بأن تنسى "شماعة الإخوان" والمؤامرة هذه المرة، لافتًا إلى أن خريطة المعارضين للاتفاق واسعة جدًا. وإلى نص المقال: «أهم حاجة في موضوع تيران وصنافير هو حجم المقاومة المجتمعية والتي أسفرت عن الحصول على وثائق ودراسات من الناس العادية ومن العلماء كل في موقعه».
الشباب المغترب في أنحاء العالم الذين جمعوا وثائق تؤكد مصرية الجزر، الشباب الذين تظاهروا وتم جمع أربعة ملايين جنيه كفالات في عشرة أيام، حركة «مصر مش للبيع» التي تمكنت من جمع أطياف الطبقة الوسطى، واعتصامات الأحزاب السياسية. كل ذلك يكشف عن شيئين، الأول أن مصر تغيرت بصورة شديدة بعد 25 يناير، والثاني أن النظام السياسي لابد أن يستوعب ذلك ويتعامل معه بشكل واقعي «حتى لا نخبط في الحيط». السطور السابقة ليست كلماتي، قرأتها مساء الأربعاء الماضي على صفحة الدكتورة أماني الطويل الباحثة المتميزة والخبيرة بمركز الأهرام للدراسات ومدير البرنامج الأفريقي، أنشرها هنا فقط بتصرف بسيط. هذه الكلمات تكشف بالفعل عن حقيقة لا يراها كثيرون، خصوصًا في الحكومة، أو يرونها لكنهم يحاولون تجاهلها، ظنًا أن ذلك سيجعلها غير موجودة. لو كنت مكان الحكومة وكل أجهزتها لفكرت مليون مرة في مغزى الطريقة التي تم بها جمع قيمة غرامة الإفراج عن الشباب المقبوض عليهم. قرأت قبل أيام تقريرًا صحفيًا ممتازًا وشديد المهنية عن هذا الأمر، بعض المتبرعين تلاميذ دفعوا أقل من عشرين جنيهًا، في حين أن من ذهب لتسليم التبرع دفع للسيارة الأجرة ضعف هذا المبلغ. صحيح أن بعض أهالي المقبوض عليهم أو الذين تم تبرئتهم كانوا من الأغنياء، ودفعوا الكفالة كاملة، وصحيح أن بعض رجال الأعمال تبرعوا بمبالغ كبيرة لكن ما حدث مع بقية الشباب كان أمرًا ينبغي التمعن في دلالاته. ظني الشخصي أن الحكومة وأجهزتها عندما اتخذت قرار توقيع الاتفاقية ثم السير فيها بالطريقة التي رأيناها لم تكن تدري شيئًا عن أنها ستواجه هذا المستوى من رد الفعل. سبب ذلك في تقديري أن أجهزة الدولة لا تزال تعمل بنفس كتالوج ما قبل 25 يناير، هي تعتقد أن شباب هذه الأيام هم نفس شباب أيام مبارك، هذه الأجهزة تفاجأت تمامًا بما حدث في 25 يناير، وكان الطبيعي والبديهي أن تعيد النظر في آلية التعامل مع الشباب الجديد، الذين صاروا مختلفين تمامًا وأكثر تمردًا حتى من الشباب الذين قادوا الثورة وفجروها قبل خمس سنوات. رأيت بعيني بعض الذين تظاهروا يوم 25 إبريل الماضي في منطقة وسط البلد؛ احتجاجًا على ترسيم الحدود مع السعودية، معظمهم لم يكونوا من الإخوان أو أي تنظيمات دينية، بل وربما لا ينتمون لأي تنظيمات سياسية بالأساس. هم شباب وسائل التواصل الاجتماعي المنفصلين كليًا عن الحكومة وكل التنظيمات السياسية التقليدية حتى لو كانت معارضة. لا أظن أن الحكومة فكرت في أي لحظة في تقدير رد الفعل، وعلى الأجهزة المختلفة أن تسأل نفسها لماذا أخفقت في التنبؤ بهذا الرد، وأتمنى أن تنسى شماعة الإخوان والمؤامرة هذه المرة، لسبب بسيط أن خريطة المعارضين للاتفاق واسعة جدًا. عندما يسارع مصريون كثيرون بالخارج إلى إرسال وثائق، وعندما يتطوع مسئولون كثيرون في الخدمة لمساندة قضية مصرية الجزيرتين، وعندما يتحول الأمر إلى قضية رأي عام غير مسبوقة، فكان مفترضًا على الحكومة أن تستوعب كل هذه المعطيات وتعيد النظر في الأمر سواء في المضمون أو حتى في الشكل، لكن الاعتقاد بأن كل شيء تمام، وأن الأمر سيمر في كل الأحوال، فأتصور أنه أسوأ خيار ممكن حتى من زاوية المصلحة الشخصية للحكومة. الوقت لم يفت تمامًا كي تبدأ الحكومة وأجهزتها المختلفة في إصلاح الأمر، وسد الثغرات الكثيرة في الموضوع، أما أسوأ خيار فهو «أن تركب الحكومة رأسها ويلبس الجميع في الحيط»!.