رغم أن موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" إحدى وسائل التعبير عن الرأي ويحق لأي إنسان أن يُدوّن ما يروق له عليه في أي وقت شاء، إلا أن هناك فئات معينة من المجتمع محرومون من تلك الميزة أو الخاصية وهم القضاة وأعضاء النيابة الإدارية وأي أشخاص يعملون في المناصب التي توصف بالحساسة في مصر. وتعود تلك الرقابة إلى الرغبة في منعهم من إبداء أي آراء سياسية قد تؤدي إلى التأثير على طبيعة عملهم، فمثلاً القاضي يمكنه إبداء رأيه السياسي في قضية ثم تتم إحالتها إليه للنظر فيها، فيكون معروفًا للجميع رأيه فيها مسبقًا، مما يؤثر على حكمه، وذلك بحسب مصادر من وزارة العدل. وتسببت تلك الرقابة في الانتقادات والضجر من المتعرضين لها، لحقهم في التعبير عن آرائهم مثل أي شخص عادي، خاصة مع تعرضهم للعقاب والذي يصل إلى الإحالة للتحقيق والوقف عن العمل وتصل إلى العزل من مناصبهم في بعض الأحيان في حال مخالفة ذلك. وتتلقى إدارة التفتيش القضائي بوزارة العدل والنيابة العامة تقارير سرية حول الصفحات الخاصة بالقضاة وأعضاء النيابة العامة على مواقع التواصل الاجتماعي لمتابعة ما يتم تدوينه من آراء وتعليقات حول بعض القضايا. ومن أبرز المتضررين بتلك التقارير، شروق هشام جنينة، ابنة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، المستشار هشام جنينة، والتي تم عزلها من عضويتها بهيئة النيابة الإدارية لقيامها بالخوض في أمور سياسية عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" والإساءة للمستشار أحمد الزند، وزير العدل السابق ونشرها كاريكاتيرًا مسيئًا له بما يعد سبًا وقذفًا لوجود خلاف بينه وبين والدها المستشار هشام جنينة. ولا تعد تلك الواقعة الوحيدة التي تعرض فيها قاضٍ أو عضو هيئة نيابة إدارية للضرر بسبب تدوينة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، حيث تمت إحالة 4 مستشارين للتحقيق من قبل التفتيش القضائي بوزارة العدل؛ بسبب كتباتهم آرائهم السياسية حول قضية جزيرتي "تيران وصنافير" على "فيس بوك" ولم تظهر نتيجة التحقيق حتى الآن. كما اجتمع وزير العدل المستشار حسام عبدالرحيم عقب توليه منصبه مع 8 من شباب القضاة كانت إدارة التفتيش أحالتهم للصلاحية؛ بسبب الكتابة على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، مطالبًا إياهم بعدم الكتابة على الصفحات الشخصية للحفاظ على هيبة القضاء، بالإضافة إلى أن القاضي لا يعمل بالسياسة. وتلقى "عبدالرحيم" تقريرًا من اللجنة المتابعة لصفحات "التواصل الاجتماعي "فيس بوك" و"تويتر" عن قيام 10 مستشارين في درجات وظيفية مختلفة بإبداء آراء سياسية في قضايا بعينها وأمر بالتحقيق معهم وبيان ما إذا كان ذلك يمثل مخالفة لقرار المجلس الأعلى للقضاء الذي يحظر على القضاة الانشغال بالسياسة من عدمه. وتردد أن المجلس الأعلى للقضاة قرر رفع الحصانة عن بعضهم وإحالتهم إلى النيابة للتحقيق معهم بتهمة الانشغال بالسياسة. ومن جانبه، أرسل النائب العام المستشار نبيل صادق كتابًا دوريًا إلى كل أعضاء النيابة العامة طالبهم فيه بعدم تدوين أي تعليقات عبر صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعي حفاظًا على هيبة القضاء والنيابة العامة. وفي أثناء تولي المستشار أحمد الزند، وزارة العدل، أعدت إحدى اللجان المُشكّلة بقرار منه تقريرًا أوصت فيه بإحالة 28 قاضيًا للتفتيش القضائي؛ بسبب آرائهم في حساباتهم وعلى حسابات المجموعات المغلقة للقضاة على "فيس بوك"، ومن بينهم 4 بالمحاكم الابتدائية والآخرون وكلاء عن النائب العام، ومعاونو نيابة. فيما قام التفتيش القضائي باستدعاء أربعة قضاة بالمحاكم الابتدائية والتحقيق معهم؛ بسبب انتقادهم توزيع القضاة في الإشراف الانتخابي على اللجان وعدد من قرارات مجلس القضاء الأعلى التي أصدرها، وذلك على موقع "فيس بوك". وكان من بين المحالين للتحقيق أدمن صفحة نادي القضاة العام السابق وآخر من أعضاء مجلس إدارة النادي، بالإضافة إلى أدمن صفحة لجنة شباب القضاة التي كانت داعمة ومدافعة إبان واقعة عزل المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق من قبل الرئيس المعزول محمد مرسى. وترتب على تلك الوقائع إغلاق عدد من صفحات القضاة على "فيس بوك" الخاصة وأهمها صفحة علامات مضيئة والتي كانت تضم في عضويتها أكثر من 3 آلاف قاضٍ يتناقشون مناقشات جادة في أوضاع القضاة والسلطة القضائية. وكيل مؤسسي حزب "الكرامة"، أمين إسكندر، أكد أن المناخ العام في مصر أصبح سلبيًا وغير إيجابي بالنسبة للديمقراطيات وحرية الرأي والتعبير. وأوضح "إسكندر" في تصريحات خاصة ل"المصريون" وجود العديد من السلبيات التي تشوب النظام الديمقراطي في مصر بدءًا من البرلمان الذي جاء بتخطيط أمنى، على حسب قوله، وصولاً إلى قانون التظاهر الذي تسبب في حبس المئات من الشباب، فضلاً عن قوانين محاربة الإرهاب وغيرها ما يعد تضييقًا على الحريات. ووصف عزل ابنة المستشار هشام جنينة، بتصفية الحسابات والانتقام الشخصي من أسرة "جنينة" عامة لإدلائه بتصريحات عن وجود فساد في دولة لا تحارب الفساد، حسب قوله، مشيرًا إلى أن تصفية الحسابات من جانب الرئيس عبدالفتاح السيسى بدليل توقيعه على قرار العزل بنفسه بدلاً من رئيسها في العمل. ومن جانبه، أشار المستشار خالد النشار، المتحدث الرسمي لوزارة العدل في تصريحات صحفية، إلى أن مجلس القضاء الأعلى أصدر قرارًا بمنع القضاة بالانشغال بالسياسة؛ لأن إبداء الرأي السياسي يهدد مكانة القضاء وكيانه، وذلك خشية من أن تعرض عليه قضية سبق أبدى رأيه فيها. وفي ذات السياق، أكد المستشار عبدالستار إمام، رئيس نادي قضاة المنوفية، أن قانون السلطة القضائية يحظر على القاضي الاشتغال بالسياسة بمعنى أنه لا ينتمي إلى جماعات أو حزب أو فكر سياسي ورسالته الأولى إحقاق الحق والعدل، مشيرًا إلى أن القاضي الذي ينتمي لتيار سياسي لا يستحق أن يجلس على منصة القضاء؛ لأن السياسة إذا دخلت حرم القضاء خرج العدل منه.