اجتاح الغضب جميع أنحاء مصر بعد مجزرة بورسعيد أمس الأول، والتى راح ضحيتها 77 قتيلاً وألف مصاب، البعض اعتبرها مدبرة، والبعض لم يجد تفسيرًا لها، لكنها فى النهاية أدخلت الحزن فى كل بيت بمصر. الآلاف من المواطنين ومشجعى النادى الأهلى احتشدوا أمام مقر النادى بالجزيرة، حاملين لافتات مكتوبًا عليها "حداد حتى الثأر للشهداء"، وحملوا المجلس العسكرى ووزارة الداخلية المسئولية الكاملة. كما خرج العشرات فى مسيرة من أمام مقر مبنى الإذاعة والتليفزيون ماسبيرو، يتقدمها إعلام مصر والأهلى والرايات السوداء، متجهة نحو ميدان التحرير للتظاهر بالميدان، وللمطالبة بمحاسبة المسئولين. وحرصت جماهير ألتراس الزمالك، التى حضرت لقاء فريقها أمام الإسماعيلى، على الذهاب إلى مقر الأهلى بالجزيرة، تعبيرًا عن تعاطفهم مع جماهير الأهلى، والتى استقبلتهم بتصفيق حاد، وردد الجميع هتافات "ألتراس الأهلى والزمالك إيد واحدة" "يا إما ناخد حقهم يا نموت زيهم"، ثم قرأ الجميع الفاتحة على أرواح الشهداء. وفور علمهم بقرب وصول القطار الذى خصصته هيئة السكك الحديدية لنقل المصابين ومشجعى النادى الأهلى، خرج الآلاف من رابطتى النادى الأهلى والزمالك ومعهم جموع المواطنين، فى مسيرة كبيرة إلى محطة رمسيس. داخل محطة مصر كان المشهد مهيبًا، حيث احتشدت الجماهير على أرصفة المحطة فى انتظار استقبال المصابين ومشجعى النادى الأهلى، مرددين هتافات ضد المجلس العسكرى والمشير. وحملوا لافتات مكتوبًا عليها: "البقاء لله يا مصر" و"الألتراس مش مجرم"، ولافتات أخرى تتوعد جماهير المصرى مكتوب عليها: "يا محافظ بورسعيد لن نسكت". وفور وصول المصابين، حملتهم الجماهير على أعناقهم لتوصيلهم إلى سيارات الإسعاف المتواجدة خارج المحطة، والتى لم تتمكن من الدخول لكثرة الزحام. وكسا ثوب الحزن الجميع بعد سماع صرخات أهالى المتوفين، فيما ظل الوجوم يسيطر على مشاعر الأهالى الذين لم يجدوا أبناءهم، قلقًا على مصيرهم الذى لم يعرف حتى الآن، بعدما ظلوا لفترة طويلة يرفعون لافتات بأسماء ذويهم، دون التوصل لأى نتيجة، أما عن طبيعة الإصابات فقد تنوعت بين جروح فى الرأس وكدمات فى الوجه وكسور فى الأذرع والساق. وأثارت الأحداث موجات من ردود الفعل الغاضبة في أوساط القوى السياسية، التي وضعت ما حدث في إطار مخطط يستهدف إجهاض الثورة، وتعطيل مسار نقل السلطة. وطالب أعضاء مجلس الشعب خلال الجلسة الطارئة للمجلس التى عقدت أمس برئاسة الدكتور سعد الكتاتنى بإقالة قيادات الأمن بوزارة الداخلية على خلفية ما حدث. وأكد النواب ضرورة التحقيق مع جميع المتسببين فى هذه الأحداث. واعتبر عباس مخيمر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومى في كلمته، أن التهاون الامنى من جانب رجال الشرطة ادى الى هذه الكارثة ، مشيرا إلى ضرورة محاكمة جميع قيادات الأمن بالمحافظة. وقال إن هذه الكارثة تقع على عاتق وزارة الداخلية، كما طالب بإقالة مجلس إدارة اتحاد كرة القدم بالكامل، مشيرا إلى ضرورة تحديد المسئولين عن هذه الكارثة وتحويلهم للقضاء للعقاب. فيما اعتبر "مجلس أمناء الثورة" في بيان، أن ما حدث فى بورسعيد جزءا من سلسلة مؤامرات التى تهدف لحرق مصر، وإشعال البلاد وإثارة الفوضى، وإعادة إنتاج النظام القديم. واتهم، الفلول وبقايا النظام السابق وأصحاب المصالح مسئولية ما حدث، وحمل المجلس العسكرى مسئولية الأمن والاستقرار فى هذه المرحلة. وأهاب المجلس بالقوى الثورية والألتراس، بضبط النفس وعدم النزول إلى الشوارع أو الاحتكاك بأى شخص، لتفويت الفرصة على من يريدون استدراجنا فى هذه الأحداث. وطالب كافة القوى الثورية والسياسية بالوحدة واستعادة روح ميدان التحرير الثورية، كما طالب بسرعة إعلان نتائج التحقيقات فى هذه الأحداث. من جهته، دعا حزب "غد الثورة" كافة القوى الحزبية والثورية للاجتماع لاتخاذ موقف عاجل بشأن تلك الأحداث، وسرعة التحرك الإيجابى لوقف نزيف الدم وإجهاض مخططات اغتيال الاستقرار فى مصر. وقال الحزب الذى يتزعمه أيمن نور فى بيان، إنه يرى وجود علاقة واضحة بين أحداث السطو على البنوك ومكاتب الصرافة، وتعطيل حركة السياحة فى الساعات القليلة الماضية، وبين الحادث الأليم الذى وقع فى استاد بورسعيد. وربط توافق هذه الأحداث مع مرور عام على موقعة الجمل، والمتهم فيها عدد كبير من رجال النظام السابق وبعضهم مازال حراً طليقاً يعبث بأمن الوطن. وأوضح أن هناك مخططات تستهدف تقويض الثورة، والانقضاض على فرص الانتقال السلمى لسلطة مدنية. بدورها، أصدرت حركة شباب 6 إبريل (الجبهة الديمقراطية) بياناً، قالت فيه "إن الأحداث الأخيرة التى تجرى فى البلاد ليست بمنأى عن المجلس العسكرى، سواء بالتخطيط أو التنفيذ، لمحاولة استعادة السيطرة على الشعب". وأضاف البيان: "بعد أن أعلنها الشعب أكثر من مرة أن حكم العسكر قد انتهى، كان الحل هو فرض السيطرة الأمنية بعد القيام بعدة إجراءات (السرقة المنظمة – النهب – البلطجة – قتل الأبرياء)، فى مشهد يعيد إلينا ذكرى موقعة الجمل". وتساءلت: أليس من الغريب أن يحضر المحافظ ومدير الأمن كل المباريات التى تجرى بين النادى الأهلى والنادى المصرى ولا يحضران هذه المباراة على وجه الخصوص؟ ولماذا لم يتم إلغاء المباراة عند اكتشاف بوادر لحالات الشغب قبل بداية المباراة أو فى الشوط الثانى؟ من جهته، اتهم حزب "الحرية والعدالة" فلول النظام المخلوع بتدبير مجزرة بورسعيد التى راح ضحيتها العشرات وأصيب المئات، مؤكدا أن ما حدث فى بورسعيد لا ينفصل بأى حال عن المشهد العام خلال الأيام الماضية من حوادث سرقة منظمة لعدد من البنوك ومكاتب البريد وانتشار حالات السطو وقطع الطرق، وهو ما يشير إلى وجود أصابع لم تعد خفية تريد إدخال مصر في فوضى منظمة. وطالب فى بيان، المجلس العسكرى باتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية الشعب ومنشآته وثورته من هذه المؤامرات والتصدى لهذا التورط من جهاز الشرطة الذى كان يستطيع منع هذه الكارثة إلا أنه اكتفى بالوقف متفرجًا مما يحمله مع الأطراف السابق ذكرها المسئولية الكاملة لما تشهده مصر من أعمال عنف. وأشار إلى أن هذه الأفعال ظهرت بشكل واضح بعد الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب التى كانت نقلة كبيرة للثورة المصرية. فيما حذرت "الجماعة الإسلامية" من مخططات تهدف لإشعال الفتنة وويلات الحرب الأهلية فى البلاد، من أجل عرقلة تسليم السلطة إلى سلطة وطنية مدنية. وفى بيان لها حول أحداث بورسعيد حصلت "المصريون" على نسخة منه، قالت الجماعة إن هذه الأحداث تهدف إلى الحيلولة دون الحصول على الاستحقاقات الشرعية. وأشارت إلى أن الأحداث الدامية بعيدة كل البعد عن أخلاق مواطنى بورسعيد وقاطنيها، مؤكدة أنها أحداث مفتعلة ومدبرة، وجاءت متزامنة مع أحداث السطو المسلح والخطف وقطع الطريق التى طفت على المشهد السياسى والاجتماعى فجأة ودون إنذار من أجل وضع البلاد فى حالة استنفار دائم يبقى على قانون الطوارئ الذى يراد العبث بالبلاد. بالإضافة إلى إحداث نوع من الهلع العام حتى يتم تهيئة المناخ لفرض رؤى سياسية معينة لمصلحة فئات تحاول الإبقاء على الأوضاع كما هى. وطالبت الجماعة الإسلامية بضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة لمن سمتهم "دعاة الفتنة والتخريب فى البلاد" وضد كل المسئولين الذين قصروا فى أداء واجباتهم، وكل من يثبت تورطه فى هذه الأحداث المؤسفة. وفى السياق ذاته، أعرب حزب "النور" السلفى عن استيائه الشديد لما حدث وألم بمصر شعبا وبلدا. داعيا، عبر بيان له إلى انعقاد مجلس الشعب بشكل طارئ للوقوف على الأحداث ومعاقبة كل من شارك فى هذه المذبحة. وشدد على ضرورة استدعاء وزير الداخلية محمد إبراهيم لاستجوابه عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الحادثة لمحاسبة كل من قصر فى أداء واجبه من كل الجهات المعنية سواء قبل المباراة أو أثنائها أو بعدها، وذلك من خلال لجنة تحقيق مستقلة للوقوف على خلفيات وملابسات تلك الأحداث. وطالب "النور" بالقبض والكشف عن "الفوضويين" المتسببين فى هذه الأحداث، مؤكدا أنه أمر ملح وضرورى فى هذه اللحظة الفارقة فى تاريخ مصر نظرًا لاستغلال البعض ممن يطلق عليهم ب"ثوريين" للعبث بأمن المواطن وإشاعة الفوضى، خاصة أن جميع حوادث الاعتداء والنهب تمت فى الفترة الزمنية التى تلت انعقاد جلسات مجلس الشعب.