عندما تسافر للولايات المتحدة، تحمل فى مخيلتك منذ ركوبك الطائرة، صورة كلاسيكية نقلتها السينما الأمريكية بقوتها الناعمة، عن نمط يتصوره المتلقى قمة الحياة، فيغفل عقلك عن التفاصيل التى تلتقيك عندما تطأ قدماك أحد مطاراتها، إجراءات الأمن التى تستقبلك، قد تمحو كل الصور الجميلة لكن عند التفكير فيما رأوه فى 11 سبتمبر، تلتمس لهم بعض العذر، وطالما دونت أسماء مثل أحمد أو محمد، فى جواز سفرك فإنك مشتبه به، وهو ما حدث معى فظللت ساعتين فى المطار ليتحققوا من هويتى، لأدخل بعدها أمريكا عبر مطار جون كنيدى فى نيويورك، ومنها إلى شيكاغو. الصور المتناقضة التى رأيتها تبدأ من الابتسامة التى تعلو وجوه معظم من التقيتهم مع تحية رقيقة مصحوبة بكلمة «يوم سعيد»، مرورا بسائقى التاكسى المهاجرين وشكواهم من الحياة فى الولاياتالمتحدة، وانتهاء بسرقة تعرضت لها بعد أن دخل أحدهم غرفتى رقم 717 فى أحد فنادق وسط مدينة شيكاغو ليسرق بعض أشيائى، وتعامل معها أمن الفندق بشكل شعرت معه بأننى المدان والمخطئ لأننى سرقت (بضم السين). وبعيدا عن السرقة التى كسرت الاستمتاع بعض الشىء بمدينة الرياح فإنك ستقع رغما عن أنفك فى عشق شوارع مدينة الاقتصاد والرياضة فى الولاياتالمتحدة وإطلالتها على بحيرة «ميتشجان» التى تحيط بها ناطحات سحاب مملوكة لدونالد ترامب الملياردير الأمريكى الشهير وصحيفة شيكاغو تريبيون، وشركات أمريكية شهيرة والتى يتناثر حولها محترفو دق الطبول من السود وعاشقو البانتومايم أيام العطلات ليتحصلوا على بضعة دولارات يتعيشوا منها فى مجتمع لا يعترف سوى بمن يعملون. شيكاغو هى المدينة التى بدأ منها الحياة والموت معا، فمن أحد مطاراتها انطلقت الطائرة التى حملت القنبلة الذرية التى ألقيت على هيروشيما، فى حين بدأ منها حلم التغيير لباراك أوباما، فهى مسقط رأسه وكان يمثلها فى مجلس الشيوخ، فالسود يشكلون أغلبية سكانها «34% من عدد سكانها». بحيرة ميتشجان التى تخترق ضواحى شيكاغو، لم تعبث بها يد الأغنياء، فتحيل إطلالتها الرائعة إلى حق خاص مقصور عليهم، فالبحيرة متاحة للجميع، والملاعب والحدائق ومواقع الجلوس تنتشر على ضفتها مع قليل من منازل الأثرياء، فلا تشعر بالفارق الذى تجده على نيل القاهرة، أو على الشواطئ المصرية. لم أذهب بالطبع إلى جنوب مدينة شيكاغو حيث يستقر العنف والمخدرات وجرائم القتل، فرأيت الوجه الحسن فقط لشيكاغو، لكننى أيقنت أن جولة واحدة فى وسط شيكاغو، ستدفعك للحكم بأن الفارق الزمنى بيننا وبينهم 100 عام، فهم يفكرون فى المستقبل وليس فى مياه الشرب والصرف الصحى ورغيف العيش وغيرها من تفاصيل الحياة التى انتهوا منها. وإذا صعدت إلى «ويليس تاور» وصولا إلى طابقه ال«103» الذى يناطح السحاب، ويعده صانعوه من عجائب الإنسانية بجانب الأهرامات وغيرها من عجائب الدنيا، وفق فيلم تسجيلى تراه فى شاشة الأسانسير الذى يحملك إلى الطابق الأخير حيث ال«سكاى ديك» المصنوع من زجاج مختلف لترى المدينة من فوق ارتفاع هائل، وبإمكانك الوقوف على حوافه التى صممت بشكل تشعر وكأنك تقف فى السماء ومن تحتك شوارع شيكاغو. الرحلة إلى الولاياتالمتحدة ممتعة رغم بعض التفاصيل السيئة لكن هذا لا ينكر أنها مثل أى أرض تحمل الوجهين، وعدت إلى القاهرة تاركا هناك وجوهاً، مبتسمة غالبا متجهمة حينا، وقاسية أحيانا. [email protected]