قامت حضارة مصر القديمة على أساس أخلاقى عميق، وقامت الولاياتالمتحدةالأمريكية على أساس نفعى بغيض! فى سياق تقييم الحضارات ومحاولة فهم أسباب قيامها وانهيارها واستمرارية أهمية بعضها بعد الغروب، يعد واضحا أنه كلما ازداد النظام الأخلاقى الحاكم لحضارة ما، فإن رصيدها القيمى يصبح فى ازدياد ويطول عمر الحضارة وتعيش ذكراها حتى بعد أفول نجمها. وكلما قامت الحضارة دون نظام أخلاقى حاكم، تصير الحضارة مهلهلة وقابلة للسقوط والانزواء فى غياهب النسيان فى أى لحظة. وبالنظر إلى حضارة مصر القديمة التى سادت العالم القديم كله حين كانت مصر أعظم حضارة خرجت للتاريخ وممثلة للحضارات الشرقية التى لعب الدين دورا مهما فى نشأتها واستمراريتها، نجد أنها قامت على نظام أخلاقى حاكم التزم به الجميع حكاما ومحكومين. وقام هذا النظام على تحقيق وإرساء الحق والعدالة والنظام والأخلاق والتكافل والمساواة والقضاء على الفوضى والفساد والفشل والظلم. وتعد كل إنجازات مصر القديمة المبهرة ترجمة صحيحة ودقيقة لهذا النظام الأخلاقى الحاكم الذى حفظ مصر القديمة من الانزلاق إلى محيط الفوضى والعدم والانهيار. وعلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسى، نجد الولاياتالمتحدةالأمريكية أعظم قوة فى عصرنا الحالى، ووريثة وممثلة للحضارات الغربية منذ اليونان القديم مرورا بالإمبراطورية الرومانية وصولا إلى الحضارة الأوروبية الحديثة التى أعلى بعضها من النظام الأخلاقى الحاكم أو انهار بغيابه. وقامت حضارة الولاياتالمتحدةالأمريكية -إن جاز هذا القول وإن كنت أفضل هنا قول «ثقافة» بدلا من «حضارة»- على أساس مادى بحت، متجاهلة تماما النظام الأخلاقى الحاكم الذى كانت لابد أن تستند إليه منذ عصر الآباء المؤسسين. وساهمت الثقافة الأمريكية الحالية فى رفع راية الاستهلاك واقتصاديات السوق، واستعلت على الحضارات والثقافات القديمة، وقسمت العالم إلى معسكرين اثنين: إما مع الولاياتالمتحدة، وإما ضدها. وصارت أمريكا أكبر قوة باطشة على وجه الأرض تكيل بمكيالين فى سياساتها الداخلية والخارجية على حد سواء وفقا لمصالحها الخاصة دون الاهتمام بالعالم. مما يؤكد أن أمريكا هى أمريكا لا تعمل ولا تفكر إلا لصالحها، والرئيس الأمريكى لا يفكر إلا فى أمريكا وشعبه فقط حتى يجدد له فترة حكم ثانية وأخيرة. ونظرا لغياب النظام الأخلاقى الحاكم فى أمريكا، فلن تصمد الولاياتالمتحدة طويلا، وسوف تنهار مثلما انهارت حضارات أعظم منها - مثل الإمبراطورية الرومانية - نتيجة غياب الأخلاق وتراجع الدين وسيادة المادية والبراجماتية النفعية، وسوف يكون الانهيار الأمريكى داخليا، وبالفعل ظهرت الآن بوادره. لكن ما دورنا فيما بعد العالم الأمريكى؟ علينا أن نفيق من الأوهام الأمريكية، وألا ننخدع بالشعارات الأمريكية الجوفاء والبراقة التى تصب فى صالح الولاياتالمتحدة وشعبها فقط، وأن نعمل جميعا، وبجدية، لصالح وطننا. لا نريد أن نبنى نجاحنا على فشل الآخرين، وإنما ينبغى أن تتفجر عوامل وقوى من داخلنا تعمل لصالحنا. وكذلك لا نريد أن نبدل الصديق الأمريكى بآخر. تعالوا جميعا نفكر سويا ماذا نفعل لوطننا، فالمستقبل يتشكل الآن أمام أعيننا. [email protected]