هذا المقال ليس دفاعاً عن «المصرى اليوم».. وإنما دعوة لفتح نقاش إيجابى وموضوعى حول سؤال مهم: ما الذى يريده المجتمع من الصحافة.. وما الذى ينبغى أن تقدمه الصحف للقارئ؟!.. وبين الاثنين فارق كبير! غضبَ بعض الناشطين وجمعيات حقوق الإنسان، لأن الجريدة نشرت أمس الأول، تحقيقات النيابة الجزئية فى قضية مقتل الشاب «خالد سعيد» فى الإسكندرية.. والواقع أن عبارات العتاب التى وصلتنا تبعث على السعادة.. إذ ينبئ العتاب عن ثقة الطرف الغاضب فى الطرف الآخر.. لذا فإن العلاقة الموصولة بين «المصرى اليوم» ومنظمات المجتمع المدنى، وبعض الناشطين على «الإنترنت»، تسمح بمناقشة هادئة، بعيداً عن الابتزاز والترويع.. فلا هؤلاء يمسكون «عصا» التهديد لمن يبحث عن الحقيقة.. ولا «المصرى اليوم» فى موقع اتهام أو تشكيك..! السؤال الذى نطرحه اليوم يولد من رحم تراكم عريق لتوظيف الصحافة فى خدمة أهداف ومصالح سياسية.. فقد عشنا عقوداً طويلة من خداع القارئ فى صحافته.. لذا فنحن لا نتعجل تغيير الصورة أو تعديل رؤية المواطن لدور الصحافة.. فبينما نطالب دائماً بتحرير الصحف من سطوة السلطة، نخطئ أحياناً بالضغط عليها، لتخضع لسلطة أخرى لا يعجبها أن تؤدى الصحيفة دورها فى إتاحة المعلومات دون تدخلات أو حسابات أو مصالح.. نحن ندرك ذلك.. ونؤمن بأن ثمة ثمناً لابد أن ندفعه فى كل قضية.. مئات المرات فى مواجهة النظام الحاكم، وحكومته، وحزبه، وأجهزته الأمنية.. ومرات قليلة فى مواجهة قوى معارضة، تظن واهمة أن استقلال الصحافة يعنى معارضة النظام «ليل نهار»، وإخفاء أى حقيقة أو معلومات لا تصب فى هذا الاتجاه..! فى قضية «خالد سعيد» ثمة طرفان: الأول هو أهل الشاب المتوفى - يرحمه الله - ومعهم بعض الجمعيات الحقوقية والناشطون.. والثانى وزارة الداخلية وأجهزة الأمن.. لا ثالث بين الطرفين.. لا النيابة طرف.. ولا القضاء، الذى سينظر القضية، طرف.. وبالتالى فإن الصحافة - باعتبارها سلطة مستقلة - ليست طرفاً ينحاز لخصم أو فريق.. مهمة الصحافة أن تنشر ما تحصل عليه من معلومات.. والمعلومات هنا تنقسم إلى نوعين.. الأول: أقوال ووجهة نظر كل طرف (الأهل.. والداخلية) وطرحها على القارئ بحياد ومصداقية، ومنحه حق الاقتناع بوجهة النظر التى يراها.. والثانى: محاولة الحصول على تحقيقات النيابة والطب الشرعى باعتبارهما طرفاً غير منحاز.. وفى النوع الثانى صعوبة قصوى تواجه أى صحفى أو صحيفة.. هذه هى الصحافة فى العالم كله وهذا ما نحاول ترسيخه فى «المصرى اليوم» منذ صدورها حتى الآن.. وربما يكون ذلك أحد أهم أسباب نجاح الصحيفة وحصولها على احترام القارئ وثقته..! منذ وقوع الحادث الأليم.. كانت «المصرى اليوم» شديدة الحرص والدقة فى نشر وجهتى نظر الطرفين - الأهل والداخلية - دون أى انحياز.. ومنذ بدء تحقيقات النيابة كان هدفنا الحصول عليها قبل أى صحيفة، مثلما نفعل، لتقديم خدمة متكاملة للقارئ الكريم.. وحين نشرناها، أمس الأول، كان مهماً أن ننقل ما حصلنا عليه من النيابة بدقة.. مهما كان الأمر.. فليس مهمتنا تجميل أو تشويه المعلومات، لكى يرضى عنا البعض.. فمثلما لا نتدخل لإفساد صورة جميلة، لا نتطوع لتجميل صورة سيئة.. نحن - يا سادة - لسنا حزباً سياسياً، ولا منظمة حقوقية، ولا سلطة لأحد علينا سوى القارئ.. وللقارئ الحق فى معرفة ما ورد فى تحقيقات النيابة، مهما تضمن من أشياء لا تقنع طرفاً محدداً.. هذا ما حدث، وليس على الناقل ذنب اجتهاده..! فى الإعلام الحديث، تعلّمنا أن ثمة فارقاً كبيراً بين ما يحبه القارئ وما يحتاجه.. ربما يحب البعض إثارة وإسفافاً ونميمة.. ولكن الصحف المحترمة تمنحه ما يحتاجه وليس ما يحبه.. والفارق كبير كما قلنا.. فبمقدورنا أن نزيف الحقائق ونجمّل المعلومات ليصفق لنا الناس.. غير أن الضمير المهنى أهم كثيراً من الزعامة الزائفة.. ومن يجلس فى بيته أمام شاشة كمبيوتر لإطلاق الأحكام الجاهزة على الصحف، عليه أن يراجع ملفاتنا فى النيابات والمحاكم، فنحن لا نخشى الوقوف فى ساحات القضاء كل يوم.. أنا مثلاً لدى 48 قضية منظورة أمام النيابات والمحاكم فى وقت واحد.. ومثلى كل الزملاء.. ولكننا أيضاً لا نخشى غضب البعض حين ننشر معلومات قد لا تعجبه.. فلا ترهبونا حين نقول الحقيقة.. القضية لاتزال قيد التحقيق.. ومثلما نشرنا أقوال والدة «خالد» أمام النيابة الجزئية، نشرنا فى اليوم التالى على صدر الصفحة الأولى تراجعها عن هذه الأقوال أمام نيابة الاستئناف، وسننشر كل ما نحصل عليه دون تدخل، مثلما اعتدنا وألفتمونا..! مهمة الصحافة الحرة أن تمنح قارئها حق تكوين وجهة نظر.. لا أن تفرض عليه الوصاية، وتلطمه كل يوم بأحكام ومواقف جاهزة، ترضيه وتمنحه شعوراً زائفاً بالنشوة! [email protected]