يعمل طبيب أطفال بمدينة المنصورة له رواية بعنوان «بشاير اليوسفى» ورواية بعنوان «شمعة البحر» ومجموعة قصصية بعنوان «طقوس بشرية» وينشر المقالات بالصحف المصرية والعربية هدأ الصراخ والعويل فى الحارة مع حلول المغربية، ونشط الشباب دخولاً وخروجاً حاملين بعضاً من أمتعة بيوتهم، ليستوى أخيراً فى وسط الحارة سرادق عزاء، هو بساط من القش الرطب، على جانبيه صفان من الكراسى والكنب، بينها ثلاثة من كراسى الفوتيل العتيقة، تحجبها عن عيون المارة بالشارع الكبير ملاءة مطوية الزاوية.. شدت عند مدخل السرادق. أمام بيت معين جلست النساء، وقرب رؤوسهن لمبة مضاءة، يتدلى سلكها من أحد الشبابيك، وما إن نهض أحد الجيران بدور المقرئ، وابتدأت التلاوة، حتى هدأ كل شىء. همهمات النساء، ودبدبة الدخول والخروج، وصيحات الرجال فى كل اتجاه، وجلبة الصغار الذين اختفوا، فقط تسمع بين الحين والحين نهنهة مفاجئة لبكاء رجل يجلس عند مدخل السرادق، وكلما علا صوت نشيجه، هرع إليه ليربت على ظهره أو يمسح على رأسه مواسياً، فيهتز كتفاه أكثر، ويعلو بكاؤه أكثر، ثم يعم الهدوء من جديد. مر الوقت فاتراً وثقيلاً.. إلى أن انتبه الجالسون على صوت عربة نصف نقل جديدة تلمع، يحاول سائقها أن يدخل بها الحارة، فيبطئ ويرجع ويزمجر محاذراً الجدران، نزل منها رجل ضئيل الجسم له شارب كثيف، بجلباب نظيف وعمامة أنيقة، وعلى إحدى كتفيه طوى شال مزركش، هرع نحوه بعض الشباب وتوقف المقرئ عن التلاوة، صافحهم الرجل متمتماً ومبتسماً فى وقار، وبدت له سنتان فضيتان. نهض الرجل الباكى آخذا الضيف إلى حضنه، وأبقاه هكذا للحظات وهو يكلمه، ثم جلسا متجاورين، وحين جاء أحد الشباب بصينية عليها كوب ماء وفنجان، جذب الضيف كرسيا خاليا ليجعله أمامه، استغرقا فى حوار خافت، نهضا بعده إلى مدخل أحد البيوت، وما أسرع ما خرج الضيف متجها إلى العربة بصحبة الرجل الذى كف عن البكاء، وظل واقفاً ينظر إلى العربة التى عاد بها سائقها واختفى فى الشارع الكبير. مرت دقائق، عاد بعدها الرجل المكلوم ليدور على المعزين بعلبة سجائر.. ولا يدع أحداً قبل أن يشعل له سيجارة. ثم يلتفت كل حين ليعطى أوامره إلى بعض الشبان الذين يدورون بصينية القهوة وأكواب الماء المثلج.. وهكذا إلى أن انتهى المقرئ من تلاوته، ووقف الرجل المكلوم ليلقى بنفسه عظة الليلة، تحدث عن حكمة الخالق فى الموت، وعن ثواب الصابرين على الشدائد، مستعيناً بآيات القرآن بين كلماته، وببعض عبارات الحكمة، بينما كان الجميع مطرقين لعظته المحمولة على صوت مشبع بلوعة الحزن. بينما ظل الشباب رائحين غادين يلحون على الرجال بفناجيل القهوة وأكواب الماء المثلج، وعزومات السجائر كأتم ما يكون الترحيب. قصة قصيرة رضا البهات المنصورة