كان رأيى، ولا يزال، أن التجربة أثبتت أن مراقبة المجتمع المدنى للانتخابات لم تأتِ بثمارها المرجوة وأنها أصبحت مضيعة للوقت والجهد والمال أيضا، بنيت رأيى هذا على خبرة سنوات من المراقبة بدأت عام 1990 واستمرت حتى عام 2005، فى تقديرى أن الانتخابات هى نهاية طريق وليس بدايته، وهى تتطلب بنية أساسية لم تعرفها مصر حتى الآن. تتطلب الانتخابات الحرة أولا إرادة سياسية من المقطوع به أنها لم تتوافر للنظام السياسى حتى اليوم، فلا يمكن تصور أن النظام الذى أدمن الحكم قادر على تصور إمكانية العمل من صفوف المعارضة، ناهيك عما يمكن أن يؤدى إليه ذلك من فتح ملفات يحرص الجميع على إبقائها مغلقة أو الخوض فى أمور من المستحسن عدم الخوض فيها. وتتطلب الانتخابات الحرة فوق ذلك حرية مطلقة فى تشكيل الأحزاب السياسية، والجمعيات الأهلية، والنقابات المهنية والعمالية، ثم بعد ذلك كله يمكن الحديث عن انتخابات حرة ومن يديرها وكيف نراقبها. ومن نافلة القول أن مصر تفتقد ذلك كله، وبالتالى يكون من العبث الحديث عن مراقبة للانتخابات سواء أكانت تلك المراقبة محلية أم دولية أم خليطاً من هذا وذاك. على أن رئيس اللجنة العليا للانتخابات القاضى الأستاذ انتصار نسيم أعادنى إلى أجواء مراقبة الانتخابات فى أعقاب الحديث الصحفى الموحد والمعد مسبقا، والذى نُشِر فى يوم واحد فى جميع وسائل الإعلام المقروءة، وقرأته يوم السبت الماضى فى صحيفتى «المصرى اليوم» و«اليوم السابع». وعلى الرغم من أن الحديث بدأ مدرسيا وتقريريا فإن بعضا مما ورد فيه يحتاج إلى تعليق. قال سيادته «اللجنة العليا للانتخابات وأعضاؤها فوق المراقبة باعتبارهم قضاة، وكل دور المنظمات المدنية هو مجرد متابعة الانتخابات، ورئيس اللجنة هو من سينظم عملية المتابعة»!!. من ناحية فإنها المرة الأولى التى أسمع فيها أن تلك اللجنة وأعضاءها فوق المراقبة، فهذه اللجنة - مع كل الاحترام لأعضائها - هى مجرد لجنة إدارية ناط بها القانون إدارة منقوصة للانتخابات، وهى بحسبانها كذلك تخضع أولا لرقابة المحكمة الإدارية العليا على قراراتها إلغاء وتعويضا، وتخضع لرقابة جميع المرشحين وأنصارهم للتأكد من حيادها ونزاهة عملها، وتخضع أخيرا لرقابة الرأى العام كله الذى يتعين عليه أن يتأكد أن من أوكل إليهم إدارة الانتخابات قد أحسنوا أداء مهمتهم فيشكرهم أو يحاسبهم سياسياً وقانونياً، إن كان لهذا الحساب أو ذاك مكان. ومن ناحيه أخرى فإن ترك أمر تنظيم مراقبة المجتمع المدنى لسير عملية التصويت لرئيس اللجنة هو أمر فيه من الغرابة الكثير، فتلك المنظمات تراقب مدى التزام رئيس اللجنة بأحكام القوانين والقواعد المنظمة لسير الانتخابات، وبالتالى فإن ترك الأمر فى يده يوافق على ما يراه ويحجب ما يريد، مؤشر سلبى على مدى سلامة الانتخابات القادمة أو الرغبة فى الحفاظ حتى على الشكل العام لنزاهتها. على أنه ربما يكون من المفيد تذكير الأستاذ القاضى رئيس اللجنة العليا للانتخابات بأن رقابة المجتمع المدنى تجد سندها فى حكم أصدرته محكمة القضاء الإدارى فى 6 نوفمبر 2005 رخصت فيه لمنظمات المجتمع المدنى أياً كان شكلها القانونى بالرقابة على عملية الانتخابات منفردة ودون اشتراط التنسيق مع مؤسسات شبه حكومية كالمجلس القومى لحقوق الإنسان، واستندت فى ذلك إلى نصوص قانونية عديدة على رأسها المادة الثالثة من الدستور التى تجعل الشعب هو صاجب السيادة ومصدر السلطات ويمارسها على الوجه المبين فى الدستور. على أن الأشد خطراً مما سبق قول سيادته أن لجنته عهدت إلى المحافظين وأجهزة الإدارة المحلية التابعة لهم ورجال الشرطة والنيابة العامة ضبط أى مخالفات للدعاية الانتخابية واتخاذ اللازم حيالها. الاعتماد على الشرطة والنيابة العامة أمر طبيعى وهو دور عليهم أن يؤدوه، ولكن موضوع المحافظين وأجهزة الإدارة المحلية أمر آخر. يتبع السادة المحافظون وأجهزتهم حكومة الحزب الوطنى مباشرة، وهم يلعبون دوراً سياسياً إلى جانب أدوارهم التنفيذية الأخرى، فضلا عن أنهم ليسوا من رجال الضبط القضائى فى خصوص مخالفات الدعاية الانتخابية، وباعتماده عليهم يكون –ولو من الناحية السياسية– قد أظهر ميلاً بقدر «ما» إلى أهل الحكم حين يتعين عليه أن يكون بقدر «ما» على مسافة متساوية من أطراف اللعبة السياسية. أيها القاضى الجليل أنا المواطن المصرى المحامى نجاد البرعى أراقب وسأراقب عمل لجنتكم هذه فكونوا مِنّى على حذر.