ليس هناك طفل لا يسعد بالحدوتة، حدوتة الجد أو الجدة أو الأم أو الأب أو غيرهم، المهم أن تكون هناك صورة فى الخيال تتكون ملامحها فى ذهنه، يلونها ويرسمها ويعدلها كما يشاء ويحتفظ بتفاصيلها فى عقله وقلبه طوال عمره وتبقى شخصياتها وحواراتها والعبرة المستقاة منها حية فى ذهنه مهما مرت به الأعوام، تشكل له لمحة من طفولته يستدعيها فى نوبة ذكرى أو فى لحظة حنين لأم غابت أو أب مضى ويطلب من عقله أن يعيدها عليه مرات ومرات بالضبط مثلما كان يطلب الاستماع إليها مرات ومرات وهو صغير مع أنه كان يعرف البداية ويعرف النهاية أيضاً وعلى الرغم من تطور السينما فيما يتعلق بأفلام الأطفال ومنها الأفلام الخيالية بشكل خاص، وعلى الرغم من وجود وانتشار مواد الطفل المختلفة من مسابقات وأغنيات وأوبريتات وألعاب على شاشات التليفزيون بقنواته المتعددة، فإن حدوتة الطفل التى تحكى له مباشرة من الخيال أو من كتاب بسيط ملون تبقى هى الأثيرة لديه والأقرب لطفولته وبراءته، والأكثر حفظاً فى ذاكرته، والأبلغ تأثيراً على سلوكه فيما يتعلق بقيم الخير والشر والنجاح والفشل والرحمة والقسوة.. وغيرها. أتذكر فيلماً سينمائياً جميلاً شاهدته منذ سنوات طويلة ولم أعد أذكر اسمه كان عن سيدة كبيرة السن لها ابنة واحدة متزوجة ولها أطفال، وكانت السيدة تعيش وحيدة ففكرت أن تذهب لزيارة ابنتها فى بلدة بعيدة ولكن أسلوب معيشة الابنة العاملة وزوجها لم يلائمها ووجدت نفسها وحيدة أيضاً فى المنزل معظم أوقات اليوم فماذا فعلت؟ وجدت أمامها الأطفال فظلت تقص عليهم حواديت قديمة كانت قد سمعتها من أمها زمان عندما كانت صغيرة فاكتشفت لديهم شغفاً كبيراً بحواديتها الليلية، يستمعون إليها فى هدوء ومتعة ويطلبون منها أن تعيد الحكاية مرات ومرات ثم بدأ ينضم إليهم أولاد الجيران والجميع ينصتون إليها فى اهتمام. تركت الأم منزل الابنة وعادت إلى بيتها تعانى مرة أخرى من الفراغ، فكرت فتنبهت أنها تمتلك موهبة الحكى ورواية الحواديت، وتوجهت إلى قناة تليفزيونية محلية وطلبت أن تخاطب الأطفال من خلالها وكانت هذه القناة تعانى من عدم الرواج والانتشار فوجدت فى هذه السيدة تجربة قد تنجح أو تفشل وبدأت السيدة بالفعل تحكى حواديتها للأطفال بنفس الطريقة التى كانت تحكى بها لأحفادها، جلست على مقعد هزاز قديم والتزمت هيئة الجدة الأنيقة الوقورة وبدأت تحكى فى هدوء ومودة، فماذا حدث؟ حققت نجاحاً باهراً وأصبح برنامجها مادة الجذب الأولى فى القناة المحلية، وعرفها الأطفال وأحبوها وعبروا عن تعلقهم الشديد بها وبحواديتها أكثر من أى مواد أخرى حديثة تقدم لهم على التليفزيونات الأخرى، طورت من حكاياتها وألفت الجديد منها وعادت إلى كتب الأطفال العالمية تنقل من كتاباتها الكثيرة حكايات متنوعة تحمل قيم الحب والخير والجمال من أطفال العالم إلى أطفال برنامجها. ذكرتنى أبلة فضيلة فى حديثها المطول عن ذكرياتها منذ أن التحقت بالإذاعة فى بداية الخمسينيات وشغفها بالأطفال وسعادتها بما تحكيه لهم من حواديت فى برنامجها الشهير «غنوة وحدوتة» بهذه السيدة فى الفيلم السينمائى، وبفكرة عدم وجود الحدوتة المروية البسيطة فى حياة أطفالنا الآن الذين تركناهم نهباً لأغانى الكبار وسيل المواد الأجنبية وفقر وهزال برامج الأطفال التليفزيونية، أين هم مما استمتعنا به من حواديت بابا شارو وعمو حسن وأبلة فضيلة، وأين هم من نقاء الكلمة وحلاوة المعنى ودفء الصوت الإنسانى/ أين هم من كلمات عربية فصيحة كنا نغنيها وتجرى على ألسنتنا فى سهولة ويسر؟ معان تربوية وتعليمية ونفسية ضاعت من حصيلة أطفالنا مع أن تحقيقها يحتاج فقط لبعض من التفكير والتدبير. [email protected]