عندما تشاهد بقدر من التدبر البرنامج الذى جمع الثلاثى محمد البرادعى، وأحمد عز، وسعد الدين إبراهيم، على شاشة CNN الأمريكية فى «شبه مناظرة سياسية»، ستصلك رسالتان أساسيتان، إحداهما تخص البرادعى، والثانية تخص الحزب الوطنى. ظل هذا الحزب يحكم طوال العقود الثلاثة الماضية دون تنغيص من أحد، ودون أن تشعر بوجود منافس، حتى عندما هدد الإخوان ضمان الحزب لأغلبية البرلمان بنجاح نوابهم ال88، تكشف بعد ذلك بما لا يدع للشك مجالاً أن هذا النجاح الإخوانى جاء وفق صفقة سياسية عقدها الحزب مع الجماعة، حسب ما قال المرشد السابق للجماعة. طوال تلك العقود الثلاثة كانت الأحزاب الشرعية قائمة، لديها مقارها وصحفها، وخطابها الزاعق، لكنها لم تحرك راكداً طوال هذه السنوات، ولم تلفت نظر الشارع إلى وجودها، ولم تنجح جميعها أو أى منها فى إقناع الشارع أو قطاع منه بأنها تصلح كبديل، حتى إن الصحفيين المتابعين للشؤون الحزبية ذاتهم يعجزون عن تذكر أسماء الأحزاب القائمة وحصرها، أو تذكر أسماء زعمائها، وهناك أعضاء فى لجنة شؤون الأحزاب، التى تمنح هذه الكيانات السياسية شرعيتها، قد يعجزون كذلك عن حصرها، وأذكّرك أيضاً برئيس مجلس الشعب نفسه الدكتور فتحى سرور، الذى استثنى الوفد والتجمع والناصرى، وقال إنه لا يسمع بغيرها. لكن بضعة أسابيع من نشاط البرادعى، تحقق فيها ما عجزت عنه أحزاب المعارضة مجتمعة، بما فيها تلك «الرئيسية» التى يعترف بها سرور، فى ثلاثة عقود، فبينما رضيت الأحزاب طوال هذه السنوات بوضع «ديكورى»، أحدث البرادعى بدعوته جدلاً، وحرك راكداً، وأثار أذهان الناس، وطرح بديلاً يحظى بقدر من القبول الداخلى والخارجى، بشكل جعل تجاهله كرقم مهم فى تلك المعادلة صعباً جداً على الجميع بما فيهم الحزب الوطنى نفسه. تلك هى الرسالة الأولى، شخص حقق فى أسابيع ما عجزت عنه الأحزاب فى عقود.. أما الرسالة الثانية، فهى إلى جانب أنها تحمل قدراً من الإثبات لما سبق، تؤكد تغييراً مباشراً فى أداء الحزب الوطنى، وهو التغيير الذى عكسه جمال مبارك بصياغته لعبارة أن الحزب سيلجأ للهجوم بدلاً من الدفاع، وهو ما يؤكد أن الحزب بقياداته يأخذ خطاب البرادعى ودعوته مأخذ الجد، ويذاكر خصمه الجديد والمفاجئ جيداً، وبدا ذلك واضحاً فى أداء أحمد عز خلال البرنامج الأمريكى، وعكسه خطابه المحترف فى مواجهة دبلوماسى دولى معتاد على مخاطبة الرأى العام الدولى. قد تتفق معى أن الأحزاب إذا كانت لا تمثل رقماً ذا جدوى فى منافسة الوطنى، ويكاد يكون نجاحها ورسوبها فى أى اختبار مرهوناً بإرادة الوطنى ذاته، فإن البرادعى أيضاً، بمعيار السياسة والقواعد القانونية للترشيح، لا يمثل أيضاً منافساً مكتملاً، إلا أن قدراته على الحركة، وخطابه الذى يتصاعد تدريجياً ويتمسك فيه بالإصرار والعزم على الاستمرار، إلى جانب قدراته على التواصل مع الإعلام باحتراف وسمعته الدولية وعلاقاته، تجعل منه منغّصاً ذا تأثير محلياً، ومنافساً على القبول خارجياً، وإلا ما اضطر أمين التنظيم إلى الاستعداد والتدريب والمذاكرة، ليلاقيه بهذا الاحتراف وهذه الجدية على شاشة CNN، بينما لم يضطر قبل ذلك لمناظرة زعيم أى حزب قائم منذ 30 عاماً...! [email protected]