فى الساعات الأولى من يوم الأربعاء الماضى كنت أبحث فى التليفزيون عن أخبار سحابة بركان أيسلندا حين وجدت اللقطات الأولى من فيلم «الصعود إلى الهاوية» إخراج كمال الشيخ (1919-2004) من إنتاج 1978، فنسيت السحابة، وطار النوم، ولم أستطع إلا مشاهدة الفيلم حتى النهاية عند الفجر. شاهدت الفيلم مراراً منذ عرضه الأول، وأعرف قصته ونهايته، ومع ذلك وبعد أكثر من ثلاثين سنة لايزال يشدنى إلى متابعته، فى كل يوم ينتج فى العالم نحو مائة فيلم، ومع مرور الزمن لا يبقى منها سوى فيلم واحد، دعك من تكرار العرض، فكل الأفلام مع عصر القنوات التليفزيونية الفضائية يتكرر عرضها، صحيح أن هناك أفلاماً يتكرر عرضها أكثر من أخرى، ولكن البقاء فى مسابقة الزمن، وهى المسابقة الكبرى التى لا تقارن بمسابقات المهرجانات على اختلاف مستوياتها، ليس بالتكرار، وإنما بالقيمة. والأفلام فى فن السينما، مثل أى أعمال فى الفنون الأخرى، تستمد قيمتها من أسلوب التعبير عن موضوعها، ومن رؤية الفنان إلى هذا الموضوع، ومدى أصالتها وعمقها، وموضوع «الصعود إلى الهاوية» حرب الجاسوسية بين مصر وإسرائيل قبل حرب أكتوبر 1973، أو فى فترة ما بين الحربين 1967 و1973، ونجاح المخابرات المصرية فى كشف بعض عملاء إسرائيل. وما يبقى على الفيلم، وأغلب أفلام كمال الشيخ، ليس التشوق إلى معرفة النهاية، وليس المشاعر الوطنية التى يعبر عنها، وإنما التشوق إلى المزيد من الاستمتاع بالجمال الذى يبدو فى كل لقطة، وفى العلاقات الدرامية بين اللقطات، والإيقاع الموسيقى لتتابعها، ولأن المشاعر الوطنية من دون دوافع أو أهداف أيديولوجية، وحب الوطن أعمق من الهجوم أو الدفاع عن هذه السياسات أو تلك، والفيلم من ناحية أخرى من أحسن الأفلام التى عبرت عن مدينة باريس سواء فى أفلام المخرجين الفرنسيين أو غير الفرنسيين، إنه وثيقة مصرية عن باريس 1977 وقت التصوير. وبقدر الفرحة بجمال الفيلم بقدر الحزن على أن العرض الذى شاهدته على قناة المستقبل اللبنانية لم يكن الفيلم كما صنعه مخرجه، وإنما بعد الحذف من رقابة القناة، وما حذف كان العلاقة المثلية بين المصرية التى عملت لحساب مخابرات إسرائيل وامرأة تعمل فى هذه المخابرات، وهو الأمر الذى يؤكد الحاجة إلى دار السينما (الأرشيف) مثل الحاجة إلى دار الكتب لقراءة الكتب كما كتبها أصحابها. [email protected]