يعتبرون أنفسهم أصل سكان جزيرة سيناء، منذ أن وجدت وعرفت باسم «توشويت» أى أرض الجدب والعراء، وعرف أهلها آنذاك فى الشمال باسم «هيروشايتو» أى أسياد الرمال، وعرف أهلها فى الجنوب باسم «مونيتو» وكانوا أقرب فى هيئاتهم وملابسهم وعيشتهم إلى البدو، يستقبلونك فى مجلسهم البدوى بتقديم القهوة، المصنوعة فى وقتها، فتراهم أينما نزلوا أوقدوا النار وجلسوا حولها، وأتوا بعدة القهوة فحمصوا البن ب«المحماصة» ثم صحنوه ب«الهاون» وعملوا القهوة وسكبوها فى الفناجين، ووزعوها على الحضور، دورا أو دورين أو أكثر، على الترتيب مبتدئين من اليمين. يتحدثون عن الجذور بولع وشغف وهم يقدمون تحية الضيافة برشاقة وخفة حركة «البدو»، فتمنحك الإحساس بأن حياتهم مختلفة تماماً عن حياة الحضر، ورغم تطور حياتهم وامتزاجها بالحداثة، فإنهم مازالوا متمسكين بعاداتهم وزيهم البدوى الذى تطل منه بشرتهم السمراء بعيون ذكية، فيرجعون بك إلى الحكى عن أصلهم وطبيعتهم ويؤكدون لك أنه رغم كثرة الحروب التى مرت بها سيناء فهم مصريون، ولا تراودهم أحلام الانفصال، مدللين على ذلك بموقف أحد شيوخ القبائل عندما وقف أمام وزير خارجية إسرائيل «موشيه ديان» وقال له «نحن نرفض تدويل سيناء، وإذا أردت أن تتحدث فتحدث مع عبدالناصر» فهم يستنكرون ما يردده البعض حول ولائهم ويتساءلون: «كيف وكل أبناء سيناء أبطال، ليس فقط أبطال من 1973، بل من قبلها فى كل الهجمات التى جاءت إلى مصر من الناحية الشرقية فقد صمدوا كصمود الجبال وشدة إيمانهم جعلتهم حماة البوابة الشرقية ولم يفرطوا فى ولائهم حتى الآن، ولكننا نريد زيادة التعمير فى سيناء» هكذا يتحدثون عن أنفسهم. فبعد أن عادت سيناء إلى مصر وانتهت حرب النسف والتدمير، انتبهت الدولة إلى معركة أخرى هى «التعمير» هكذا يقول «عبدالله جهامة» رئيس مجلس قبائل البدو، الذى يعيش الآن فى شمال سيناء، ويشرح أن البدو كانوا يعيشون فى بيوت من «الشعر» أى من صوف الغنم، لكن بعد تحرير سيناء أنشأت الدولة العديد من المشاريع الخدمية فى جميع المجالات. وأضاف: «لكننا لا نكتفى بهذا ونريد المزيد من المشروعات إضافة إلى مطالبتنا بسرعة الانتهاء من مشروع ترعة (السلام) وتهجير الشباب إلى سيناء للاستفادة من خبراتهم». ورغم مما يتمتع به النظام البدوى من خصوصية، فإنه اخترقه بعض التغيير، وهو ما يوضحه الشيخ عبدالله بقوله: «انتهى النظام القبلى الذى يعيش مع الحرب القبلية فقد شغل أبناء القبائل الآن المناصب، فمنهم المحامى والضابط والدكتور، فلا يمكن للبدوى الذى وصل إلى هذه المرحلة أن يعود إلى ركوب الإبل وحرب السيف، ولكن مازلنا متمسكين ببعض العادات مثل القضاء العرفى، وليس معناه إلغاء القضاء الوضعى، ولكن التخفيف على المحاكم المدنية، لأنه بمثابة قضاء عادل ورادع ولا يمكن اختراق أى ثغرة فيه». فلكل قبيلة «عرف» ولها جذور، وهو ما يوضحه الشيخ عبدالله بقوله: «فى الحقيقة سيناء تزخر بكثير من القبائل وجميعها لها جذور فى الجزيرة العربية، والقبائل لها امتدادات فى فلسطين والأردن والسعودية ولها امتداد فى جميع المحافظات، وبعض القبائل فى العريش لها جذور ثابتة وإن كان هناك بعض التداخل بين القبائل فى سيناء فى أزمنة سابقة، ولكن القبائل الآن لها حدود معترف بها». وكان للطبيعة «القبلية» وبما يتمتع أهلها به من القدرة على التعايش مع المكان والوضع فى سيناء أثره فى أن يكون لهم دور خلال فترات الحروب التى عاشتها تلك المنطقة، خاصة خلال حربى 1967/1973. الشيخ سويلم حسن من قبيلة السواركة يقول: الظلام الذى كانت تعيشه سيناء فى فترة الحرب كان له دوره فى أن يتعاون أبناء سيناء مع القوات المصرية، ويضيف: «كان لمجاهدى سيناء آنذاك أدوار متعددة، فلكل مجاهد دور فى جمع المعلومات ورصد خطوط العدو، والقيام ببعض العمليات بداية من حرب 67 وحرب الاستنزاف نهاية بحرب 1973». 750 مجاهداً تضمهم جمعية مجاهدى سيناء، قاموا بالعديد من البطولات وعلى استعداد لتقديم المزيد من أجل حماية البوابة الشرقية لمصر، إلا أنهم يأملون فى زيادة تعمير سيناء، وهو ما يؤكده الشيخ سويلم بلال من «قبيلة الترابين» وأحد أعضاء جمعية «مجاهدى سيناء» قائلاً: «عاصرنا أيام الاحتلال وقمنا بعمليات كثيرة من أجل كشف حركات العدو وتضليله، ووضع الألغام، وكانت سيناء تختلف عن الآن كثيراً بسبب عدم توافر الخدمات وغيرها، وكنا ندافع من داخلنا من أجل تحرير سيناء، وتم تكريمنا على ذلك الدور من قبل الرئيس أنور السادات إلا أننا نأمل فى زيادة تعمير أرض سيناء». ويتفق معه الشيخ «حسن على خليفة» من قبيلة السواركة يقول: «اختلف شكل سيناء كثيراً، خلال حرب 1967 كانت صحراء واليوم حدث تغيير كبير بسبب التنمية، ومازلنا فى حاجة لمزيد من التنمية فالوضع أيام الاحتلال الإسرائيلى كان كالسجن المفتوح.. كانت هناك قيود على الحركة والتنقل وهذا يختلف عن الآن لأننا نتمتع بحرية الانتقال». تغير شكل سيناء كثيراً عما كانت عليه وقت الاحتلال، ورغم مرور 28 عاماً على تحريرها فإنه مازال لدى أبنائها، الذين يكنون لها كل الولاء، المزيد من الطموحات وهو ما يأمله الشيخ «حسن» الذى يوضح أنهم استفادوا من تعمير سيناء كثيراً ولكنهم يريدون المزيد من تعميرها وزيادة المشاريع فى مناطقها المختلفة.