ما إن تقلّب فى القنوات بحثاً عن فيلم عربى، إلا ويظهر لك حسن حسنى، ذلك الممثل المصرى الموجود فى كل فيلم، مهما كبر أو صغر شأنه، أو مهما كبر أو صغر دوره، وفى كل مسلسل وكل إعلان، أسأل نفسى دائماً ترى هل يعيش حسن حسنى فى مدينة الإنتاج الإعلامى أو فى البلاتوه، أم أن له مسكناً طبيعياً ككل البشر؟ حسن حسنى ظاهرة، وظاهرة حسن حسنى تحتاج إلى نقاش، لأنها أصبحت نمط حياة، فهناك حسن حسنى الصحافة، وحسن حسنى السياسة وحسن حسنى التوك شو، عفواً، التوكتوك شو. حسن حسنى أصبح حالة اجتماعية، وليس مجرد ممثل أو فرد، ونقاشى هنا ليس الفرد وإنما الظاهرة، ولكن بداية النقاش يجب أن تبدأ من حيث عالم حسن حسنى: السينما المصرية والتليفزيون المصرى. بداية لست بناقد سينمائى، ولكن يمكننى أن أقول بأن كتاباتى منذ أعوام تصب فيما يمكن تسميته النقد الحضارى. ما يحدث فى مصر لا يحتاج لنقد حضارى لندرك أن واقعنا الثقافى بشكل عام، أصبح كتلك المبانى الآيلة للسقوط، أو البيوت الخربة التى هجرها سكانها، وآلت بوضع اليد إلى السوقة واللصوص، وقطاع الطرق الثقافية. الغارق فى الشىء لايدرك كيف كان وإلى أين وصلت حالة الانحطاط والتدهور، لذا تلزمه عين خارجية تكشف له ما هو غافل عنه. إن السياق العام الحاكم للثقافة فى مصر قد تدنى بشكل مخيف، لدرجة أن مجرد الانخراط فيه يأخذ الإنسان إلى أسفل مهما كانت قيمته الفنية وقدرته على التمييز. والمثال الأقرب على ما أقول هو عمر الشريف فى فيلم «حسن ومرقص»، لو عرض عمل كهذا على عمر الشريف فى سياق ثقافى عال لرفضه حتما، لأنه لا قصة فيه ولا معنى، ولكن يبدو لمجرد معيشته مؤخراً فى السياق الثقافى المصرى السائد «بهتت» عليه صبغة الوضع القائم، قد قبل ما لايمكن له قبوله فى سياق آخر. الانحطاط الذى حل بالسينما حل بالتليفزيون أيضاً (فقط لنتذكر حلقة الصلح التى قدمها محمود سعد فى برنامج «مصر النهارده» الأسبوع الفائت) لندرك حجم الانحطاط. الأمر يحتاج إلى نقاش جاد، من دون مجاملات. ولكن فى مصر لا أحد يريد نقد أحد بشكل جاد، كل أحاديثنا مجرد «تلسين» فى جلسات خاصة أو نميمة، ولا ينصلح اعوجاج مجتمعات بالنميمة والهمس. الأفلام المصرية التى كانت مصدر اعتزاز للمصريين وكانت تجمع نخبة من النجوم فى الفيلم الواحد، كما فى فيلم ثرثرة فوق النيل، إحدى روائع نجيب محفوظ، الذى جمع عماد حمدى وأحمد رمزى وسهير رمزى ومجموعة غفيرة من النجوم فى فيلم واحد، حتى فى الأفلام القريبة نسبيا، كدرب الهوى مثلا الذى جمع حسن عابدين ويسرا ومحمود عبدالعزيز، وفاروق فلوكس، وشويكار إلى آخر هذه النخبة المميزة، كيف يستبدل كل هذا اليوم بأفلام هابطة نجمها المشترك هو حسن حسنى، مرة يؤدى دور طفل مدفون حتى رأسه فى الرمال ومرة عاشق ولهان...إلخ. كيف هبطت السينما المصرية إلى الدرك الأسفل لتصبح مجرد تهريج؟ هذا سؤال لأهل السينما أنفسهم. الوجوه المسيطرة على السينما المصرية اليوم، هم من أنصاف الموهوبين المتاحين فى كل وقت وكل لحظة. فى الأفلام المصرية جميعها، غدا القاسم المشترك بينها هو حسن حسنى. أى فيلم مصرى اليوم هو عبارة عن أحمد حلمى وزوجته، وأشرف عبدالباقى ومنه شلبى، زائد حسن حسنى. مجرد عشرة ممثلين وممثلات يحتكرون السينما المصرية اليوم، فهل المشكلة هى غياب المواهب، أم أن صناعة السينما والإنتاج السينمائى فى مصر أصبحت مسألة احتكار، أم أن القطاع الخاص وقلة ذوقه هو سبب الكارثة فى السينما والتليفزيون المصرى؟ إذا كان القطاع الخاص سيئ الذوق فى السينما وفى التليفزيون، فماذا عن سينما الدولة وتليفزيون الدولة؟ يبدو أن الدولة انسحبت تماماً من لعبة السينما، ولا يمكن أن نلومها على ذلك، ولكن الدولة مازالت منغمسة فى بيزنس التليفزيون. تليفزيون الدولة يحتاج إلى أن يذهب العاملون فيه إلى ما يسمى «الفينشنج سكول»، تلك المدرسة السويسرية التى يرسل الذوات وأهل الحكم أولادهم إليها كى يتعلموا الإتيكيت. أعتقد أن كثيرين من ضيوف ومذيعى ومقدمى برامج التليفزيون الحكومى يحتاجون إلى أربع سنوات من التدريس فيما يسمى كليات الليبرال آرتس (الفنون والآداب والفلسفة)، كى يكون لديهم أبسط سبل الإلمام بتاريخ الأفكار، بدلا من «الهبش» الذى نراه على شاشاتنا كل يوم. وتلك مهمة وزارة الإعلام بكل تأكيد. المصريون هم أول من تواصل بالصورة، تلك النقوش والرسوم التى نراها على المسلات والمعابد الفرعونية، ورغم أننا أول من ابتدع التواصل بالصورة، فإننا وفى لحظة سوقية امتدت طويلا، لم نقدم لنفسنا ولا للعالم سوى مدرسة حسن حسنى فى التليفزيون والسينما والصحافة والسياسة، البلد ياسادة «شكلها وحش أوى من بره»، فهل من نقاش جاد، يعترف فيه كل منا بأنه مصاب بفيروس حسن حسنى، بدلا من غرس رؤوسنا فى مخدات الصوف أو المقاعد الوثيرة، وعيوننا جاحظة لمشاهدة عرض حسن حسنى المستمر؟