أنا لا أخطئ عندما أقول إن الحكومة ترقص على السلالم وهى تهلل لقانون حماية الطفل.. هى ترى أنها حققت انتصاراً فى حماية حق الطفل.. وأنا أقدم لها حكماً قضائياً يكشف عن ضعف الحكومة فى حماية الطفل.. حكماً ينتزع طفلاً من حضن أمه وهو فى السادسة من عمره.. برعم صغير أخضر.. لم ير أباه منذ ولادته.. لا يعرف ملامحه.. رفض الأب أكثر من مرة استضافته بعد أن كبر الطفل وأصبح طفلاً كبقية الأطفال.. الأم رغم انفصالها عن الأب كانت تلحّ على الأب لرؤية طفله كلما جاء فى زيارة إلى القاهرة حيث كان يكمل تعليمه فى أمريكا.. وكانت تأمل أن يشعر الطفل به شأنه شأن بقية الأطفال.. لكنها اكتشفت أن الأب بعد حصوله على الدكتوراه ارتبط بأسرة جديدة وتزوج وأنجب طفلين.. لم يعد مهماً بعد وضعه الجديد أن يرى طفله الأول. تخيلوا ماذا حدث.. الطفل «مصطفى...» لا يعرف أباه.. جده والد أمه هو كل شىء فى حياته.. فقد تكفّل به وأدخله أرقى مدارس للغات.. يدفع له المصاريف بالعملة الصعبة.. يعيش أحلى عيشة.. يرتدى أجمل الثياب.. تشترى له الأم أحدث لعب الأطفال.. بالمعنى الصريح لم يسألوا الأب عن مصاريفه منذ ولادته حتى وصل السادسة من عمره.. فالأسرة ميسورة الحال.. وحتى لا يتركوا شرخاً فى حياة الطفل رفضوا أن يلجأوا إلى المحكمة لمطالبة الأب بمصاريف للطفل، وتكفّل الجد بكل شىء. والمفاجأة كانت مؤلمة.. بعد هذا الغياب.. يظهر الأب على مسرح الأحداث ويعترض على وظيفة الأم التى تعمل صحفية بإحدى المؤسسات الكبرى التى تستند لها الصحافة العالمية فى مصداقية أخبارها.. ويطالب بإسقاط الحضانة عنها لانشغالها بالعمل الصحفى وسفرها فى مأموريات صحفية.. هو يرى أن هذه المهام ليست بصحبة آمنة وتتعارض مع القيم.. رغم أن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف أفتت بأحقية الأم فى العمل الصحفى والسفر بمفردها فى مأموريات صحفية.. ولا أعرف كيف يصدر الحكم بإسقاط الحضانة عن الأم.. وبقدرة قادر تنتقل الحضانة إلى أم الزوج وليس إلى أم الزوجة.. أى من المفروض أن ينتقل الطفل من مدرسة اللغات فى القاهرة إلى مدرسة الشيخ عبدالسلام بالباجور منوفية.. لكم أن تتخيلوا الوضع النفسى.. والأذى المعنوى الذى يتعرض له هذا الطفل. صحيح من حق الأب حتى لو كان يعيش فى «عشة» وفى حى شعبى أن يضم طفله لكن بعد أن تنتهى حضانة الأم القانونية.. المهم أن يكون هناك ود بين الطرفين.. لا يكون العداء هو حبل الاتصال بينهما.. فكثير من العائلات.. لا يستثمرون الخلافات فى نزاعات على الأطفال لأن الطفولة البريئة لا علاقة لها بالخصومة أو الكراهية.. لكن ماذا نقول للعناد؟! ثم أين قانون حماية الطفل يا حكومة؟.. الأم استشكلت أمام محكمة الشمال.. فى القضية رقم 839 لسنة 2010 مستأنف استشكالات شمال القاهرة، وتحددت الجلسة يوم 18 أبريل الجارى.. والنائب العام اعترض على الحكم وقدم طعناً عليه أمام القضاء برقم 17070.. والأم فى حالة ضياع نفسى.. فهى تنتقل مع صغيرها من بيت إلى بيت، والمسكين لا يعرف أن هناك قوة جبرية تطارده وتبحث عنه.. أما الجد فلا حول ولا قوة له، لقد أصيب من صدمة الحكم بجلطة فى القلب، ونقل على أثرها لمستشفى وادى النيل.. ولا أعرف لماذا أب المفروض أنه يتمتع بمركز أدبى مرموق ويحمل بين ضلوعه قلب إنسان.. كيف يطاوعه قلبه على انتزاع طفل من أمه.. وهو لم يحضنه يوماً ولم يقبله يوماً.. بل زاد العناد فى الإصرار على إقامته مع والدته.. ولا يهمه إن كانت قد تخطت السبعين من العمر؟! السؤال الآن: ماذا تقول السفيرة مشيرة خطاب، وزيرة الدولة للأسرة والسكان، فى هذه القضية.. هل يرضيها ما يحدث من مطاردات لتنفيذ حكم بضم طفل لأبيه قبل انتهاء المدة القانونية لحضانة الأم؟.. صحيح أنه حكم قضائى لكن كان من الممكن تنفيذ هذا الحكم بطرق إنسانية على الأقل بعد إعطاء الفرصة للأم فى الاعتراض كحق من حقوقها فى الحياة. الذى أعرفه أن الوزيرة مشيرة خطاب كأم لن يرضيها استخدام القوة الجبرية فى انتزاع طفل من حضن أمه.. ولا أعتقد أن وزيرة فى شجاعتها تستسلم لهذا الحكم.. فهى على استعداد أن تقاتل من أجل حق الطفل فى الحياة.. وإذا كان الطفل (مصطفى) يفتقد حقاً من حقوقه وهو استكمال الفترة القانونية لحضانته مع أمه.. فليس من المعقول أو من المقبول أن تسقط الحضانة عن أم لأغراض كيدية فى حين أن الأم لم تتزوج بغير الأب.. وهو يعلم أن القانون لا يمنعها من الزواج.. ويعلم أن الحضانة تنتقل إلى أم الأم تلقائياً مادامت لا توجد موانع، خاصة أنها تتمتع بمكانة اجتماعية وتربوية كبيرة فقد أعطت لمصر شابين أحدهما ملحق لنا فى إحدى سفاراتنا فى الخارج.. وابنتين فى بلاط صاحبة الجلالة بعد أن أكملتا تعليمهما الجامعى فى العلوم الإنسانية واللغات. إن هذه القضية لا تستحق السكوت.. فقد تحدث مع أى طفل.. ربما لا يصل صوته إلى مشيرة خطاب.. وربما تستسلم الأم عن ضعف لأنها لن تجد من يساندها فى قضيتها.. إن القواعد القانونية هى الأساس فى حماية الطفل، ولا أعرف كيف سقط هذا الحق حتى يصدر حكم بانتزاع طفل من ولاية والدته بسبب الطعن على وظيفتها مع أنها تعمل صحفية وليست راقصة.. والله عيب. على أى حال.. دعونا ننتظر ماذا سيكون موقف نصيرة الطفل المصرى الوزيرة السفيرة مشيرة خطاب التى يحنى أطفال مصر رؤوسهم لها على تبنيها قضاياهم مع الزمن الردىء الذى ماتت فيه المروءة والإنسانية داخل القلوب. [email protected]