اتفق عدد من القضاة وفقهاء القانون على أن حكم محكمة جنايات القاهرة بإدانة الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته الأسبق حبيب العادلي بالسجن المؤبد، وتبرئة المساعدين الستة، وانقضاء الدعوى الجنائية قبل نجلي مبارك، جاء وفقا لما استقر في عقيدتها، واطمأنت له من أدلة وأسانيد تحصلت عليها من أوراق الدعوى، وما حوتها تحقيقات النيابة، وأقوال الشهود، وما قدمه محامو المتهمين من دفوع ومرافعات، وبما استقر في وجدانها ذاته من خلال معايشتها لظروف ووقائع الدعوى. وتوحدت الآراء حول أن الكثير من علامات الاستفهام والتساؤلات المثارة حاليا بشأن الحكم، سوف تحسمها المحكمة في أسبابها التي قالت إنها بصدد إعلانها خلال المدة المحددة قانونًا. بداية، قال المستشار صابر غلاب، رئيس محكمة جنايات السويس، إن محكمة جنايات القاهرة التي أصدرت حكم مبارك أظهرت في بداية منطوق حكمها أنها استعملت الرأفة مع المتهمين، وخففت العقوبات عنهم، وذلك بإعلانها الاستناد لنص المادة 17 من قانون الإجراءات الجنائية، وهي المادة التي تنص على حق المحكمة في النزول بالعقوبة درجة أو درجتين عن العقوبة القصوى، وفقا لما تراه من ظروف ووقائع الجريمة محل الاتهام. وأشار «غلاب» إلى أن هذه المادة أعطت الحق للمحكمة في تخفيف العقوبة، ورغم كونها غير ملزمة للقاضي فإنه إذا استند القاضي إليها في حكمه وجب عليه تطبيق نصها وفقًا لما يراه في ظروف الدعوى. وفيما يخص إدانة مبارك والعادلي وبراءة المساعدين من ذات الجريمة المحالين بها جميعًا قال «غلاب» إنه من الوارد جدًا أن تُحيل النيابة العامة متهمين بالاشتراك في ارتكاب جريمة واحدة، وتتشكك المحكمة في ارتكابهم جميعًا لهذه الجريمة، وهو ما حدث في تلك القضية، حيث اطمأنت المحكمة إلي ارتكاب كل من «مبارك» و«العادلي» لجريمة الاشتراك في التحريض على القتل من خلال ما ستعلنه في أسبابها لكنها لم تطمئن لارتكابها من باقي المتهمين. وأضاف أن القاعدة القانونية المعروفة تقول إن الأصل في الإنسان البراءة، وهي ما يستند إليه القاضي عندما يتشكك في صحة الدليل الذي يعول عليه إدانته للمتهم. وأكد المستشار الدكتور فتحي عزت، رئيس محكمة جنايات الإسماعيلية، أنه لا يوجد أي إلزام للمحكمة بأن تأخذ بقيد ووصف النيابة العامة فلها أن تعدله أو عدم الأخذ بأي مما فيه، إذ إنها تعيد معايشة ظروف الواقعة بأكملها وتحكم وفقًا لما تراه من أدلة فنية ومادية، وما يستقر في عقيدتها وتطمئن إليه. وأشار إلى أن ذلك هو ما حدث في تلك القضية وتحديدًا فيما يخص إتهام نجلي الرئيس السابق علاء وجمال مبارك بجريمة إستغلال النفوذ والحصول علي منافع للنفس والغير، حيث استخدمت المحكمة حقها القانوني في إعطاء الواقعة القيد والوصف الصحيح، وقضت بإنقضاء الدعوى الجنائية في تلك الجريمة لسقوطها بمضي المدة، وهو ما يعتبر إلتفاتا عن قيد ووصف النيابة في تلك الجريمة وما أوردته من صحة إتهام علاء وجمال بهذه الإتهامات، لتكون المحكمة بذلك أعملت حكم القانون. وٌقال المستشار حسن رضوان رئيس محكمة جنايات الجيزة إنه من السابق لأوانه الحديث في تفسيرات هذا الحكم، إذ أنه سيظهر جليًا أمام الجميع بعد إيداع المحكمة أسبابه، إلا أنه ما يمكن تأكيده أن المحكمة إستعرضت كافة وقائع الدعوى، وحكمت بعد أن كونت عقيدة ويقين، مشيرًا إلي أن المحكمة تأكدت من توافر كافة الأدلة لإدانة «مبارك» و«العادلي»، وتيقنت من إنطباق شرائط الإتهام عليهما، وعلي العكس مع باقي المتهمين بتلك الإتهامات فيستبين من الحكم أن المحكمة لم تجد في الأوراق والتحقيقات ما يثبت إرتكاب هؤلاء المتهمين تلك الجريمة، وبالتالي لم تجد سوي الحكم ببرائتهم. وأضاف رضوان أن جريمة التحريض علي وجه الخصوص تحتاج أدلة وأسانيد قوية للغاية، إذ أنها تبحث دائما عن جرم معنوي وليس فاعل أصلي إرتكب الفعل علي نحو مادي يمكن إثباته بالرؤية او السمع، الأمر الذي يرهق المحكمة في إثباته. وتابع« رضوان»: معنى سقوط التهمة بالتقادم، أو بمضي المدة وفقًا للقانون أنه إذا إرتكب متهم جناية في تاريخ ما فلا يجوز إقامة الدعوي ضده أو محاكمته بعد مرور 10 سنوات من هذا تاريخ إرتكابها. وأشار إلى أن سقوط الدعوي بالتقادم من النظام العام الذي تقضي به المحكمة من تلقاء نفسها حتي وإن لم يطلب أو يدفع دفاع المتهم بذلك أثناء المحاكمة، كما أن للنيابة العامة أن تترك هذا الأمر للمحكمة أن تفصل فيه حتي وإن كانت متنبهة له أثناء تحقيقاتها، ولكنها لظروف الدعوى تحيل المتهم للمحاكمة، وتفاوض المحكمة الرأي في حسمه. وأوضح ان الحكم بإنقضاء الدعوي لمضي المدة لا يعد خطأ في حساب وقت وقوع الجريمة ووقت التحقيق فيها من قبل النيابة، إذ انها مسألة تقديرية تحسمها المحكمة في النهاية. وأكد المستشار شريف إسماعيل رئيس محكمة العاشر من رمضان، أن القانون حدد مدة العشر سنوات لسقوط الإتهام في الجرائم كي تكون كافية لزوال الضرر منها، بمعني أنه إذا إرتكب متهم جريمة ومر عليها 10 سنوات سيكون زال عنها الردع العام والخاص حتى أن المجتمع قد يكون تناسى هذه الجريمة، وبالتالي خف أو زال أثر الضرر منها، مشيرًا إلى أن القانون أفرد ذلك ضمانًا منه لحسن سير العدالة و أنهى «إسماعيل» تعليقه بأن هذه الأحكام ليست نهاية المطاف، بل هناك درجة أخرى من التقاضي أمام محكمة النققض التي لها أن تؤيدها أو تقضي بنقضها، وإعادة المحاكمة مرة أخرى أمام دائرة جديدة لتعود المحاكمة برمتها إلي نقطة البداية أمام قاض ومحكمة تكون هي الوحيدة صاحبة الولاية عليها.