شروق الشمس: المشهد الكونى الجليل الذى يتكرر كل صباح، المزيج الأخاذ من الفضة والفيروز، واللون الأحمر يمتزج تدريجياً بمهرجان الألوان الحافل على صفحة الأفق الممتد. بعدها بدأت الشمس تتدحرج فى نعومة مثل طفل وليد فى كامل نضارته. مشهد بديع لكن أحداً لم يره، حتى العصفور الواقف فوق غصن الشجرة كان نائما. ■ ■ ■ استيقظ العصفور موقنا بأنه قد تأخر فى نومه إلى حد غير مسبوق. وأحس بالغريزة أن شيئاً غير مألوف قد حدث، شيئاً لم يعلمه بعد ولكنه يوشك أن يعلمه. إنه الصمت، الصمت غير المعتاد الذى ران على الغابة فى مثل هذا الوقت من الصباح!. أين أناشيد الفرحة بالصباح الوليد؟ أين أغاريد الطيور تسبح بحمد خالقها المجيد؟. أين ولت العصافير المتسابقة إلى حقول الأرز؟ أين أناشيد الحب ومواكب العاشقين ؟.أين زقزقة الصغار البريئة المفعمة بحب الحياة ؟ شيء مريب حدث أثناء نومه لكنه لا يدرى ما هو. شرع يحلق فوق الغابة باحثاً عن عصفور واحد، فلم يجد أى مظهر للحياة. لا عصافير مسالمة ولا طيور جارحة ولا حيوانات عابرة ولا حتى ديدان تتلوى على العشب. وحيد فى هذا العالم، هذا هو حاله باختصار. ■ ■ ■ النهار يتثاءب فى ملل، يمتد، يطول، يلتوي. ماذا يصنع بنفسه فى ذلك النهار الذى لا يريد أن ينتهي؟. أمامه حقول شاسعة من الحب والأرز، كلها له. لكنه لا يشعر بأدنى شهية. فليمرح قليلاً إن استطاع، أو يغفو ليضيع وقتا، أو يطير هنا أو يقف هناك. رباه إنه فى مأزق مخيف. ■ ■ ■ عصفور ضعيف هو، لم يكن يعنيه من قبل غير اللهو مع الطيور، والرقص فى السماء، والتقاط الحب من الحقول، الشجار أحياناً والغزل دائما. ولكن!. إنه الآن يحمل عبئا ما كان يطلبه: المعرفة!. قدره أن يكون الشاهد الوحيد على مواقع النجوم ورشاقة الأمطار وسر الحياة. قدره أن يعرف لماذا تتساقط الثمار وتتلون الأزهار وتتفجر الينابيع. قدره أن يعرف لماذا يُولد الحب وتهاجر الطيور وتلمع العيون وتشتاق القلوب. ينال هذه المعرفة بالإلهام. يغمض عينيه ليرى. إن ما يشاهده الآن لا يُحكى. يصمت ليسمع، يصمت ليفهم، يصمت لأنها أسرار لا تُذاع. بعدها يغني، ما الذى يستطيعه عصفور صغير غير الغناء!. يلمس حقيقة الكون إذ يغني، أنشودة حب للخالق العظيم، لمشيئته سبحانه حين قال: كن، فكان الكون وكانت الحياة. نجوم زاهرة وكواكب سابحة، غابات خضراء وزهور حمراء، عشاق وشعراء، لبن وعسل ورحيق. ■ ■ ■ شرع يطير فى الفضاء، يحلق رغم جناحيه الضعيفين، يصعد حتى لا يكاد يرى الأرض، يرتفع حتى يلامس السحاب. وهناك فى الأعالى التى لم يبلغها أحد راح يصدح بغناء عذب، أنشودة حب لله الواحد الأحد، صلاة يرفعها إليه، غير عابئ بأن أحداً من المخلوقات لا يسمعه.