فى يوم من أطيب أيام الدنيا، حيث هبت نسمة الإرادة الإلهية بمولد الهادى البشير - صلى الله عليه وسلم - محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصى، وقد ساق الله الحكمة على لسان جده عبدالمطلب، فسماه «محمداً»، ولم يكن هذا الاسم من أسماء آبائه وأجداده، والناس فى هذا الوقت وغيره يحبون أن يطلقوا أسماء الغابرين من آبائهم وأجدادهم على القادمين إلى الحياة من ذريتهم، لينطبق عليهم قول القائل «عاشت الأسامى». وقضية الأسماء فى الإسلام قضية مهمة من حيث إن الاسم عنوان على مسماه، ودليل عليه، وحادى الأرواح إليه، لقد سئل عبدالمطلب هذا السؤال: كيف تسميه محمداً وليس من آبائك وأجدادك من اسمه محمد؟ فأجاب: إنى أرجو أن يكون محموداً، فمحمد معناه الذى يحمده الناس، والناس يحمدون ذا الأيدى البيضاء، صاحب الفضل، وأكرم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من رجل تسمى، فكان اسمه دليلاً وعنواناً صادقاً عليه، فقد أخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن الله، ولان لهم، وأحسن إلى مسيئهم فضلاً عن إحسانه إلى الحيوان، والجماد، وسائر المخلوقات، حمده أهل الأرض، وحمده أهل السماء وكم من رجل حمل اسم «محمد» وليس له من اسمه نصيب، فهو أقرب إلى الذم منه إلى الحمد، وقس عليه كل مشتق من مادته، من أحمد وحامد، ومحمود، وحمادة، ومحمدين وكم من رجل اسمه «حسن» وليس فيه من الحُسنِ شىء، إن فات الآملين فى حُسنه حُسن شكله فقد فاتهم كذلك مع الأسف حُسن خلقه، ناهيك عن الأسماء التى أطلقناها على جمعيات ومؤسسات وشوارع ومدارس وأندية، ومحال تجارية، حملت كل ذى بريق من الأسماء، وليس فيها من معانى تلك الأسماء شىء كالصدق، والأمانة، والوفاء، والنبل، والإخلاص، وغيرها، فإذا تعاملت معها وجدت الكذب والخيانة والغدر والفحش، والشرك، فالقضية ليست فى الأسماء وإنما هى فى معانيها، فهل أطلقنا هذه الأسماء طمعاً فى أن نُوفيها حقها، فتكون بالفعل اسماً على مسمى، أم كانت خيوط صياد، وسنارة، وفخاً، وجراً للأرجل البريئة حتى تطمئن، فإذا دخلت سليمة خرجت بكساح وعلل، لا أول لها ولا آخر، فتلعن هذه الأسماء لما لاقت من ورائها من عنت وخسارة، أم ماذا؟ والله عز وجل يقول فى آية التوبة: «ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين»، وأولى درجات الصدق وأبرز معالمه أن يكون عنوان الشىء دليلاً صادقاً عليه، أن تكون اسماً على مسمى، فقد ورد أن النبى - صلى الله عليه وسلم - كان يغير الأسماء القبيحة، فسُمّى حرباً الحسن والحسين، سماهما على - كرم الله وجهه - حربا، فغيره النبى الكريم، وجعل الأول حسناً والثانى حسيناً وسأل امرأة عن اسمها فقالت: عاصية، فقال لها: بل أنت جميلة، فصار اسمها «جميلة»، ولا شك أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليطلق هذه الأسماء ويتركها فى مهب الريح، حققت معانيها أم لم تحقق كما نفعل نحن، وإنما كانت دعوته - صلى الله عليه وسلم - كلها لتحقيق المعانى، فكيف تسمى ابنك حسناً وأنت تزرع فيه القُبح! وكيف تسمى ابنتك جميلة ولا تُحسن كساءها وحليتها وتربيتها حتى تكون جميلة الخلق وإن لم تكن حسناء الشكل، كيف يرضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تكون امرأة من أمته اسمها «عاصية» ودعوته قائمة على الطاعة، ولعلك تلحظ أنه ما سماها بنقيض اسمها من حيث اللغة، أى لم يقل لها: بل أنت مطيعة، وإنما قال جميلة، فهذا اسم يُسعد المرأة بلا شك، ولن يفوتها ما يتضمنه ذلك الاسم من جمال الخلق الذى يتحقق بطاعتها لله عز وجل، ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لقد كان عليه الصلاة والسلام الراعى للمعانى، يحب جميل الأسماء ويسقيها حتى تنبت الصدق الدال على أنها بالفعل اسم على مسمى، كما كان هو نفسه - صلى الله عليه وسلم - كذلك، وكما كان أبوبكر كذلك، لأنه بكر بالدخول فى الإسلام، فما عكم حين دعاهُ إليه، وما تردد، وكما كان عمر - رضى الله عنه - الفاروق الذى فرق الله به بين الحق والباطل، وكما كان خالد بن الوليد سيف الله المسلول، فما انهزم فى موقعة، فهلاّ نتعلم هذا الدرس حين نطلق الأسماء وفى ضمائرنا نية صادقة برعاية معانيها، فلا نطلق النهضة على محتوى التخلف، ولا الإخلاص على ما فيه شرك، ولا نتخير من الأسماء ما نخدع به أنفسنا والناس، لأنها مجاناً أما معانيها فمكلفة، وقد درجنا على الإكثار من كل ما هو مجان، ولم يبق منه إلا الأسماء، إن من دلائل حبنا لخير الخلق محمد - صلى الله عليه وسلم - أن نجتهد فى تحقيق معانى أسمائنا.