ما دفعنى إلى رواية الحكاية التالية، هو تصريح أدلى به الدكتور حسن نافعة، المنسق العام لحركة (لا للتوريث)، أشار فيه إلى قبوله بالدكتور محمد البرادعى رئيساً للوزراء إذا عرض عليه النظام هذا المنصب، حيث سيمثل ذلك فرصة للبرادعى للإصلاح والتغيير، حسب كلام نافعة!.. أما الحكاية فقد وقعت فصولها عام 1996 فى روسيا..كانت البلاد آنذاك تئن تحت وطأة أزمة سياسية خطيرة وأخرى اقتصادية خانقة، وكان المشهد هكذا: مظاهراتٌ تعم موسكو وشتى المدن الروسية احتجاجاً على غلاء الأسعار وتأخير صرف الرواتب والمعاشات، فيما الرئيس بوريس يلتسين قابع فى مصحته بين أطبائه وممرضيه ورجاله الذين يديرون دفة الحكم من وراء ستار!.. كل ذلك كان يصب فى صالح القوة السياسية المنظمة الوحيدة: الحزب الشيوعى!.. ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بدت الأوضاع خطيرة لقادة الكرملين، خاصة مع ظهور شخصية قوية على المسرح السياسى باسم (الإكسندر ليبيد)! كان الرجل، إلى وقت قريب، عسكرياً برتبة جنرال، خدم فى عدة مناطق ساخنة، على رأسها أفغانستان، وتمتع بسمعة طيبة بين قادته وجنوده، مما جعله يصل لرتبة قائد الجيش الروسى الرابع عشر.. وحين ودع الحياة العسكرية وقرر الانخراط فى معترك السياسة، لم يجد صعوبة فى الحصول على مقعد فى البرلمان.. استحوذ هناك على الأضواء بفضل أسلوبه المميز فى الخطابة وشخصيته القوية وصوته الجهورى، فضلاً عن آرائه التى دغدغ بها مشاعر شعب يبحث عن قائد قوى برتبة مُخلّص!.. بدت الفرصة مواتية تماماً للجنرال (ليبيد)، خاصة أن الرئيس يلتسين ازداد ضعفاً من الناحيتين الصحية والسياسية!.. تمكن الجنرال من جمع توقيعات قرابة مليونى مواطن للترشح فى انتخابات الرئاسة، التى حقق فى جولتها الأولى مفاجأة مدوية بحصوله على المركز الثالث بعد الرئيس بوريس يلتسين، وزعيم الحزب الشيوعى غينادى زيوغانوف!.. لم يكن أمام الكرملين سوى الحصول على أصوات أنصار الجنرال (ليبيد) ليتمكن يلتسين من هزيمة زيوغانوف فى الجولة الثانية.. وهنا جاءت الصفقة!.. بعد أقل من 48 ساعة على إعلان النتيجة استيقظ الروس على مشهد يجمع يلتسين مع (ليبيد) وعلى وجهيهما ابتسامتان عريضتان.. تنحنح الرئيس الروسى وأعلن بلهجة المنتصر، إصدار مرسوم بتعيين الجنرال (ليبيد) مساعداً له وأمينا لمجلس الأمن القومى!.. حصل (ليبيد) على منصب محترم يقربه من كرسى الرئاسة فى أى لحظة، وحسم يلتسين الجولة الثانية بأصوات مناصرى (ليبيد)!.. لكن الفصل الأخير للحكاية جاء بما لم يشته الجنرال وأنصاره.. بعد مرور أربعة أشهر بالتمام والكمال فاجأ يلتسين الجميع بإقالة (ليبيد) من منصبه!.. تلك هى حكاية (الجنرال ليبيد) التى تصلح لتكون عبرة للبرادعى.. أى برادعى!.. ربما يرد البعض بأن ما صدر عن الرجل منذ وصوله إلى القاهرة لا يوحى بإمكانية دخوله مع النظام فى صفقة ما!.. لهؤلاء أقول: عودوا إلى تصريح القطب المعارض الدكتور حسن نافعة، ولا تنسوا أن الوقت لايزال مبكراً، وأن كل شىء جائز فى السياسة! [email protected]