«مصر وطن يعيش فينا وليس وطنا نعيش فيه».. لم تكن تلك الجملة التي قالها البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من قبيل المجاملة، بقدر ما كانت تعبيرا صادقا عن عشقه لتلك البلد، ذلك العشق الذي حدا به إلى وضع مصلحة مصر العليا قبل أي مصلحة طائفية، لذلك أحبه المصريون جميعا، مسلمون وأقباط، ومثلما استطاع البابا أن يجمع المصريين على حبه في حياته، أجبرهم على المشاركة في الحزن بعد وفاته. ولد البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية، في الثالث من أغسطس عام 1923، وهو البابا رقم 117، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي، قبل أن يصبح البابا، وهو رابع أسقف أو مطران يصبح البابا بعد البابا يوحنا التاسع عشر، واسمه الحقيقي نظير جيد روفائيل، وهو من الكتاب أيضا إلى جانب الوظيفة الدينية العظمى التي يشغلها. التحق بجامعة فؤاد الأول، في قسم التاريخ، وحصل على الليسانس عام 1947، ثم التحق بالكلية الإكليركية، وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج في الكلية الإكليركية ليعمل مدرسا للتاريخ، وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي، وكان تلميذا وأستاذا في نفس الكلية، وكان يحب الكتابة، وخاصة كتابة القصائد الشعرية، وعمل محررا ثم رئيسا للتحرير في مجلة مدارس الآحد، وفي الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة. رُسم راهبا باسم (انطونيوس السرياني) في 18 يوليو 1954، وقال وقتها إنه وجد في الرهبنة حياة مليئة بالحرية والنقاء. ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد حوالي 7 أميال عن مبنى الدير، وكرس فيها كل وقته للتأمل والصلاة، وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قسا، وأمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، ثم عمل سكرتيرا خاصا للبابا كيرلس السادس في عام 1959. رُسِمَ أسقفاً للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الاكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962، وعندما مات البابا كيرلس في الثلاثاء 9 مارس 1971 أجريت انتخابات البابا الجديد في الأربعاء 13 أكتوبر، ثم جاء حفل تتويج البابا (شنودة) للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرةفي 14 نوفمبر1971 وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة. في رحلته العلاجية الأخيرة، رفض الأطباء الأمريكيون أن يستمر البابا هناك؛ بسبب عدم استجابة جسده للأدوية المعالجة للسرطان، وكان من المقرر أن يستمر البابا هناك لمدة شهر لاستكمال كورس العلاج إلا أنه عاد بعد أسبوعين فقط. وتسبب سرطان الرئة الذي أصيب به مؤخرا في زيادة آلامه ومعاناته، مع مرض الفشل الكلوي، وهو ما اضطر معه البابا للغسيل الكلوي ثلاث مرات أسبوعيا بدلا من مرتين، عن طريق الأجهزة الموجودة في المقر البابوي، بالإضافة إلى معاناته من آلام شديدة في العمود الفقري في عهده تمت سيامة أكثر من 100 أسقف وأسقف عام؛ بما في ذلك أول أسقف للشباب، وأكثر من 400 كاهن وعدد غير محدود من الشمامسة في القاهرةوالإسكندرية وكنائس المهجر، والبابا شنودة هو أول بابا يستمر بعد سيامته في إلقاء الدروس بالإكليركية وإدارتها، وهو أول بابا يؤسس 7 فروع للإكليركية بداخل البلاد وفي بلاد المهجر.