الساعة الآن الثانية ظهرا، واليوم هو العاشر من رمضان الموافق ليوم السادس من أكتوبر فى عام 1973، أعلم أنه كان يوافق يوم أمس، لكن معلهش نحن فيها، تخيل أنه اليوم، وتخيل أنك الآن تقف صائما على شط القنال، تضع روحك على كفك، وتتأهب لاقتحام أقوى مانع عسكرى فى العالم، وتتلهف إلى اللحظة التى ترفع فيها علم بلادك على أرضك السليبة، مستعدا لدفع حياتك ثمنا لذلك. فجأة يأتيك هاتف شيطانى مقبل من المستقبل ليوسوس إليك قائلا إن الأرض التى ستبذل روحك من أجلها لن يستمتع بخيرها أبناؤك من بعدك، وأن بلادك ستصبح يوما ما قابلة للتوريث كأنها متاع أو عقار، وأنها ستنسب إلى اسم حاكم كأنها مملوكة له، وأن الأراضى التى حررتها لن ينال خيرها أبناء الذين عبروا مثلك بل أبناء الذين هبروا، وأنك ستسحق خط بارليف لينسحق أبناؤك يوما تحت خط الفقر الذى صنعته بإصرار حكومات الفشل وانعدام الكفاءة والتخبط السياسى، وأن هناك أجيالا، سيسعى المنتفعون لكى يمحوا من ذاكرتها كل معانى الوطنية والعزة والكرامة، لكى لا يبقى من ذكرى الشهداء لديها إلا العرفان لهم لأنهم يزيدون رصيد تلك الأجيال من الإجازات. ماذا ستفعل وقتها بالله عليك؟، أعلم أنه سؤال مرير مؤلم يفتح عمل الشيطان من قنوط ويأس وإيثار للسلامة، لكننى أعتقد جازما والعلم عند الله، أنك لو كنت واحدا من أحفاد خير أجناد الأرض، وجاءك ذلك الهاتف اللعين، فإنك لن تستسلم له أبدا، بل ستفعل نفس ما فعله المقاتل المصرى فى يوم العاشر من رمضان، ستعبر الهزيمة وتستعيد أرضك مضحيا بروحك، ستؤدى واجبك وتفعل ما عليك، دون أن تفكر فى مستقبل الأرض التى ستحررها، لأنك تعلم أن مسؤوليتها فى المستقبل ستتحملها الأجيال القادمة التى سيكون عليها أن تختار مصيرها بنفسها، عندما تجد هذه الأجيال نفسها يوما معرضة للهزيمة أمام جحافل الفساد والإفقار والتجهيل والتطرف والتوريث وسحق الإرادة.. هل ستختار إرادة العبور أم ستفضل الاستسلام؟، أنت تعلم أن تلك الأجيال ستجرم فى حق نفسها لو ظنت أن صمتها وسلبيتها وطرمختها وعبثيتها ستجعل حياتها أفضل، إنها ستكون واهمة لو تصورت أن انكفاء أفرادها على حلول خاصة سيعبر بهم وببلادهم إلى بر الأمان، إنها ستجرم فى حق نفسها لو لم تدرك أن العالم تغير ولم يعد فيه مكان لحكومات مستبدة تطعم الشعوب من جوع وتؤمنها من خوف، ولا لشعوب تظن أنها تمتلك امتيازات إلهية خاصة تجعل الله تعالى يغير سننه من أجلها، وأنها إذا لم تتحرك لإنقاذ نفسها ستنهار وتفنى. أنت أيها المقاتل المصرى العظيم تعلم أن شعبك ليس شعب الله المختار كما يروج البعض، وليس شعبا محكوما عليه بالخنوع والذل كما يزعم الكثيرون، أنت تعلم أنه كأى شعب من مخاليق الله فى دنياه الواسعة، عندما يواجه اختبار الفناء، ستستيقظ فيه غريزة البقاء، وسيختار الحياة بدلا من الموت، والتغيير بدلا من الفناء، هذه فطرة الله التى فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ولذلك ستدير ظهرك لوساوس الشيطان وستعبر، وأنت تدرك واثقا أن فكرة العبور التى ستجسدها بدمائك ستكون وحدها الملهمة للأجيال التى ستليك إذا رغبت فى الخلاص. كل الكلام رخيص أمام الدم الزكى الذى سال على تراب سيناء، صدقنى ما أسهل الكلام، ولكن صدقنى ما أصعبه أيضا عندما تكون فى حض رة دماء الشهداء! لذلك لا تنتظر منى اليوم أن أجيد الكتابة، تماما كما أننى لن أنتظر منك إكمال هذه المقالة المتعثرة المرتبكة المخنوقة. عارف؟، هناك خطوات كثيرة قطعتها الصحافة باتجاه الاتصال التفاعلى، كنت أتمنى لو كان من بينها أن أتوقف عن الكلام الآن، وأسمعك فورا صوت الفنان المصرى الفذ المعجز سيد مكاوى، وهو يشدو من كلمات والد الشعراء العظيم فؤاد حداد بأغنية من أغنيات ملحمتهما الخالدة «المسحراتى» اخترت لها على كمبيوترى اسم «يوم عشرة»، بعد أن أهداها لى الإنترنت الذى أنقذها من مجزرة محو الذاكرة المصرية، وها أنا أستمع إليها الآن وأنا أحاول أن أكون قد ما أكتب عنه، وأتمنى أن تصنع بنفسك جميلا وتنزلها من على الإنترنت، أظنك لو كتبت فى «جوجل» اسم سيد مكاوى ستجد إليها سبيلا مثلى، بالله عليك اسمعها اليوم قبل السحور بعد أن تقرأ الفاتحة للأبطال الذين صنعوا النصر الذى ظللنا من ساعة تحققه، نحاول أن نمحوه ومع ذلك لم ننجح تماما فى سعينا، ولن ننجح بإذن الله. اسمع مرة، وفى الثانية لا تكتف بالاستماع، خذ طبلتك أو قلمك أو لافتتك أو صنعتك أو هوايتك أو حرفتك أو خوفك أو أملك أو يأسك، وانزل به إلى شوارع المحروسة، وشارك سيد مكاوى وفؤاد حداد فى سعيهما لإيقاظ مصر والمصريين، وابدأ بنفسك أولا: «اصحى يا نايم.. اصحى وحد الدايم.. وقول نويت بكره إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم.. اصحى يا نايم وَحِّد الرزاق.. رمضان كريم.. مسحراتى فى ليالى السماح.. مِنَقّراتى وطبلتى بجناح.. ونَغَمى يِلف القلعة والسيدة.. والدنيا زى العَيِّلة مِعَيِّدة.. ونغم يلف القنطرة والعريش.. وعشت يوم فرحان بإنى أعيش.. ونغم يدوب فى مصر وحبها.. ست الجمال والحسن والأبهة.. وأدحرج الضحكة على الفدادين.. نغم على الجبهة يِحَيِّى الجنود.. يا بدر من رمضان يا نور النبى.. يا كل أحلام الجدود قَرّبى.. اصحى يا نايم وحد الرزاق.. رمضان كريم. يوم عشرة بالحرية والانتصار.. مصر الأميرة تِبَشّر الأمصار.. كل الولاد بيقولوا يحيا الوطن.. وأنا باغنى وأقول شرارة بدر.. طاقة قدر.. المشى طاب لى.. والدق على طبلى.. ناس كانوا قبلى قالوا فى الأمثال.. الرجل تدِبّ مطرح ما تحب.. وأنا صنعتى مسحراتى فى البلد جوال.. حبيت ودبيت كما العاشق ليالى طوال.. وكل شبر وحتة من بلدى.. حتة من كبدى حتة من موال.. أنزل لكم فى الندى والطل أتنسم.. للضى أضحك لكم.. فى الضلمة أتبسم.. نغم المحبة بيجمع لما يقَسِّم.. ولا أبطل غنا ولا أبطل التسحير.. بقلبى طول السنة وبطبلتى موسم.. اصحى يا نايم.. اصحى وحد الدايم.. السعى للصوم خير من النوم.. دى ليالى سِمحَة.. نجومها سِبحَة.. إصحى يا نايم.. يا نايم إصحى.. وَحِّد الرزّاق». [email protected]