فى خريف عام 1978، وفى جلسة استماع عامة، كان يعقدها، كل أسبوعين، المرحوم «على حمدى الجمال» - نقيب الصحفيين آنذاك- للاستماع إلى شكاواهم وآرائهم، طلبت الكلمة لأعاتب النقيب على ما ورد فى البرقية التى أرسلها إلى الرئيس السادات، ونشرتها الصحف فى صباح اليوم نفسه، يهنئه فيها بسلامة العودة من واشنطن، بعد توقيعه اتفاقية كامب ديفيد، ويقول فيها إنه باسم جميع الصحفيين المصريين، يعلن تأييدهم الاتفاقية التى تعيد الحقوق المشروعة للعرب. كان من بين ما قلته أن الصحفيين قد انتخبوه نقيباً لهم، لكى يقودهم وينوب عنهم فى الدفاع عن حقوقهم الاقتصادية والمهنية، كالحق فى العمل وفى أجور عادلة، وفى خدمات تعينهم على القيام بواجبهم المهنى، ومساندتهم ضد تعسف أصحاب الصحف أو إداراتها، وإلزامهم - كذلك - بالقيام بواجباتهم تجاه هذه الصحف إذا ما تهاونوا فى أدائها، ولكى يخوض على رأسهم معارك الدفاع عن حرية الصحافة، وحملات التضامن مع الذين يقدمون للمحاكمة منهم بسبب اتهامهم بارتكاب جرائم نشر، ولكى يسعى لرفع المستوى المهنى للصحفيين.. وتطوير المهنة وترقيتها.. وأنه ليس من حقه، أو من حق مجلس النقابة، أن يتحدث باسم «جميع» الصحفيين، خارج هذه الحدود، لأن ما يجمعنا كأعضاء فى النقابة، هو مصالحنا الاقتصادية والمهنية، ولا شىء غير ذلك.. خاصة إذا كان رأياً سياسياً. وفى أثناء المناقشة التى جرت بعد ذلك حول الموضوع، أضفت أن علينا أن نفرق بين «النقابة» - كهيئة اعتبارية - وبين الصحفيين كأعضاء بها، وبين الصحف كمجال يعملون فيه، وأن من حق كل صحفى - بمن فيهم النقيب - أن يؤمن بما يشاء من آراء سياسية، وأن يعبر عنها فى كتاباته، وأن ينشرها فى الصحف التى تتبنى رؤاه، أو تفتح صفحاتها لرؤى متعددة، ومن حق الصحفيين المؤيدين - أو المعارضين - لكامب ديفيد، أن يصدروا بيانات يوقعونها بأسمائهم يعبرون بها عن موقفهم، أما النقابة فليس من شأنها أن تؤيد «كامب ديفيد» أو أن تعارضها، ولو أن النقيب كتب مقالاً فى «الأهرام» - التى يرأس تحريرها - يؤيد فيه الاتفاقية لما كان من حقى أن أعترض على موقفه فى اجتماع نقابى بل لرددت عليه بمقال أنشره فى «الجمهورية» التى أعمل بها، بصرف النظر عن أننى منعت من الكتابة بها، منذ ثلاثة أعوام، وفصلت منذ عام بسبب آرائى السياسية، وواجب النقابة، والنقيب اللذين عجزا عن القيام به هو أن يدافعا عن حقى فى العمل، وحريتى فى التعبير عن رأيى، لا أن يقوما بما هو ليس مطلوباً منهما، ولا واجباً عليهما، وينوبا عنى وعن جميع الصحفيين فى التعبير عن آرائهم، وينسبا إليهم رأياً لا يجمعون عليه، وختمت كلامى مطالباً النقيب بأن يعيد إرسال البرقية بعد تعديل نصها ليكون «باسم جميع الصحفيين المصريين فيما عدا صلاح عيسى أعلن تأييد نقابة الصحفيين لاتفاقيات كامب ديفيد»! تذكرت هذه الواقعة، وأنا أتابع حملة الدعاية التى صاحبت انتخابات نقيب الصحفيين، وشملت بيانات ومقالات وشائعات ومناظرات تليفزيونية تتسم بقدر كبير من التشوش الذى أصبح ظاهرة عامة، فى حياتنا الفكرية والسياسية، خاصة لدى شباب الصحفيين، الذين لا يعرف معظمهم الفارق بين دور «الحزب السياسى» ودور «النقابة المهنية» فضلاً عن أن معظمهم ليس عضواً فى أى حزب سياسى ولا هو ناشط فى أى عمل نقابى، لذلك أخذت المعركة الانتخابية أكبر من حجمها، وشغل الصحفيون بها الناس، مع أن عددهم لا يتجاوز خمسة آلاف، أكثر مما شغلوهم بانتخابات المحامين الذين يصل عددهم إلى حوالى مائة ألف، وبدا وكأن الانتخابات قد تحولت إلى ساحة يُلعِّب فيها «الإخوان المسلمون» عضلاتهم الجماهيرية للحكومة، التى لعَّبت لهم عضلاتها القانونية، وقطعت عنهم الماء والنور والغاز، يساندهم فريق من الناصريين الذين يتوهمون أن تحالفهم مع الإخوان، سيحتفظ لهم بما يسمونه حقهم التاريخى فى أن تظل نقابة الصحفيين «قلعة ناصرية» من دون أن يتنبهوا إلى أنهم بما يفعلون منذ عشرين عاماً يلعبون دور حصان طروادة الذى سيحول النقابة إلى قلعة إخوانية.. يكون أول ما تفعله أن تفصلهم من عضوية النقابة، لأنهم ينتسبون للزعيم الذى تصفه أدبياتهم، وكل زعماء الحركة الوطنية، من «عرابى» إلى «سعد زغلول» بأنهم كانوا عملاء للاستعمار الصليبى وصبية للمبشرين! وكان ذلك ما فعله المرحوم «إبراهيم الوردانى»، الذى كتب بعد أيام من المناقشة التى دارت بينى وبين النقيب عام 1978، مقالاً يطالب فيه بفصلى من النقابة، لأننى أعارض اتفاقية «كامب ديفيد» بينما قال لى النقيب بعدها بأيام: لقد أهدرت بما قلته مجهوداً كان يوشك على النجاح لإعادتك لعملك.. فأجبته: ولو يا سيادة النقيب.. رزقى على الله! وذلك ما أعود لتكرار قوله!