لمديحِ ظِلِّ البَّحرِ يلزمُنى ارتحالٌ فى أغانى الماءِ حتى أقتفِى لُغَةً تُشابهُهُ وأنثرَ من لآلِئِها انهمارَ الضوءِ والذَّهبِ المُصفَّى عَابِراً لُغَتى ويلزمُنى مِن النِّسيانِ أوَّلُهُ ليهجرَنى كَلامُ الآخرينَ وأخرجُ من رُؤاهُم نَحوَ قَافِيتَى لهذَا البَحر ما قالت أغَانى الرِّيحِ.. كُنُ حُرَّاً ولا تَأبَه بقيدٍ مِلء نفسِكَ.. وابدأ السفرَ الطويلَ بلا اشتهاءٍ للوصول يمُرُ ظِلُّ البحرِ فى الكلماتِ تُضحى مثل عنقاءٍ تغادِرُ موتَها وتمُرُّ فى الرؤيا كما أسطورةٌ سخِرتْ مِن الزَّمنِ المقيَّدِ فى المزاولِ والفصول وليس من حَدٍّ لرُؤياى التى هَجَرَت لُغات الآخرينَ ولا سماءَ لما أقول خرجتُ من نفسى لآخَرى المُلازِم نافياً ظِلِّى لأبعدَ مِن وراء الشَّمسِ مُبتعِدَاً عن الصَّحراءِ.. عن رُوحى التى تسرى رؤاها للينابيعِ القصيِّة للحَقيقةِ لا الطُّلول مُسافِرَاً للرِّيحِ.. مَنفيَّاً مِن المُدنِ التى كذبت علىّ وهارباً مما انتظرتُ وخَانَنى مِمَّا خَسِرتُ وما حَمَلتُ لهُ رُؤاى لكى يُطهِّرنى فأودَعَنى التَّحسُّرَ والأفُول على انكِسَارَاتى وَقفتُ.. على سَمَاءٍ لا تَرانى فى مَعَارِجِها البعيدةِ مُفلِتَاً بحقيقتى.. لم أنتظِر أحداً سِوَاى لكَى أرى مَا قَد رَآهُ وأقتَفِى شَبَحَاً يُطارِدُنى لظلِّ البحرِ أصعدُ.. لارتقاءِ الرِّيحِ حَتَى ألتقى نَفسى البعيدةَ فى الغيابِ.. وراءَ ما تركَ انتثارُ الريحِ من كَلِماتِ من مرُّوا على طَلَلِ الحقيقةِ ثم أنشدَ بعضُهم للظلِّ والنسيانِ: «لا ذِكرى هناك» وقَطَّعوا أوتَارَهُم.. تَمضِى الحَيَاةُ ولا تَرى أحَدَاً من المارِّين فى هذا الفضاء الملحمىّ فلا الحقيقةُ تلتقى الذِّكرَى ولا النِّسيانُ صَوتٌ للغِيابِ رأيتُ فى صَحوى أَغَانِى الحُلم فاتَّكَأَت جِراحى فوقَ غَفوتِها لأحلُمَ من هنا مَرَّ الأُسَاةُ ومن هُناك بَكَى الشُداةُ ومن مرايا البحرِ تنتثِرُ الرؤى شمساً فأبصِرُ تحتَ وقدتِها قيامتى البعيدةَ.. هاربٌ فى ظِليَ المأسورِ من غَدِى المُلازِمِ من تَراتِيلى ومِن وَجهِى المشرِّدِ فى مَنَافى الأرضِ مُصطَحِبَاً أناى وآخَرى المنسىّ فى شَبحِى الذى لم يأتِ إلا كى يمُرَّ لموتِهِ ومُغادِرَاً نَفسِى.. وَحيداً فى الجهاتِ وفى الزمان على أُفولِ الوَقتِ أمضِى فوقَ ما قَالَت سَمَاءٌ تَستَظِلُّ غُيومُهَا بخُلودِ زُرقَتِها لأعبُرَ برزخى وأمُرُّ لا عَدمِى المُؤجَّلَ ينتظرنى أو وجوداً.. لا وجوهَ ولا زحامَ وآخَرين خَرجتُ مِن نَفسِى إلى نَفسِى.. ومن رُؤياى نحوَ وِلادةٍ أُولى وظلٍّ لا أراهُ كأنَّهُ يَنأى بَعيداً عن تَشَكُّلى الأخير إلى سَمَائِيَ طِرتُ مُنعَتِقَاً من المعنى المراوغِ.. مِن تَفَاصِيلِ المرايَا والوَجوهِ.. مِن انكِسَارَاتى نَأيتُ عَن الحَياةِ لكى أرَانِى فى حَقيقَتِها وأعبرُ ما أقولُ كأننى حرٌّ هناكَ كأننى حىّ ومُنتَصِرٌ على عَدَمِى تُكلِّلُنى الفصولُ. * شاعر وناقد مصرى مقيم فى الخارج
