لايزال إرث النكبة حيًا.. حيث تسببت فى أطول أزمة لجوء فى العالم. ففى أعقاب النكبة الفلسطينية عام 1948، وما أفرزته عن قيام دولة إسرائيل، من جهة، ولجوء مئات الآلاف من الفلسطينيين، وهو ما أدى لإنشاء وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين (الأونروا)، فى الثامن من ديسمبر عام 1949، بغرض تقديم الإغاثة المباشرة وبرامج التشغيل للاجئين الفلسطينيين، غير أنها لم تباشر عملها إلا فى مايو عام 1950، ومنذ ذلك الحين تُعد «الأونروا» هى الجهة الوصية على سجلات وذكريات لاجئى فلسطين. فى أعقاب انفجار الحرب العالمية الثانية.. ظهرت قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى حيز الوجود، وبنظرة على الخلفية التاريخية للدكتور محمد نعمان النحال أستاذ القانون الدولى العام فى دراسته بعنوان «الامتيازات والحصانات الممنوحة لموظفى (الأونروا)» أكد فيها: فى محاولة من قادة وزعماء العالم لوضع أسس قوية للوقاية من الآثار الناجمة عن النزاعات الدولية والحروب، تأسست هيئة الأممالمتحدة منظمة دولية، وجاءت أهداف الأممالمتحدة واضحة من خلال ميثاقها الذى تم لتوقيع عليه عام 1946، والتى تتمثل فى حفظ السلم والأمن الدولى، وإنماء العلاقات الدولية بين الأمم على أساس واحترام المبدأ الذى يقضى بتسوية الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك تحقيق التعاون الدولى فى حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية. وقد أعطى الميثاق الدول (الأجنبية) المنتدبة على بعض الدول العربية حق الوصاية، وكانت فلسطين من بين الدول التى فرضت عليها الوصاية البريطانية بعد أن كانت تخضع لنظام الانتداب، دون أن يكون هناك دور إلزامى إيجابى للأمم المتحدة على بريطانيا لإنهاء الوصاية ومنح الشعب الفلسطينى استقلاله أسوة بالدول الأخرى، وفى عام 1947 أصدرت الأممالمتحدة قرار التقسيم (181) الذى نص على تقسيم فلسطين إلى ثلاثة أقاليم أحدها للفلسطينيين والثانى لليهود والثالث تحت إشراف دولى. وفى ذلك الوقت فى مايو 1948 خرجت القوات البريطانية بعد أن مهدت للعصابات الصهيونية كافة الإمكانات اللازمة لإدارة الحرب والدولة. وأعلنت التنظيمات الصهيونية سيطرتها العسكرية على العديد من المدن والقرى الفلسطينية وهى ما تعرف اليوم بمناطق ال(48). لقد استهدف النشاط العسكرى الصهيونى طرد الفلسطينيين من مدنهم وقراهم لتفريغ الأرض من مواطنيها الحقيقيين من أجل التمهيد لاستبدالها بالمهاجرين اليهود. وقد اتجه اللاجئون الفلسطينيون صوب غزة والضفة الغربية لنهر الأردن وبعضهم مضى باتجاه الدول المجاورة مثل الأردنوسورياولبنان كما اتجه بعض اللاجئين نحو الشتات فى دول عربية وأجنبية مختلفة. وبخلاف مزاعم إسرائيل بأن هجرة الفلسطينيين من وطنهم كانت طوعية، يؤكد العديد من الأكاديميين المعنيين بدراسات الهجرة أنها كانت هجرة قسرية نتيجة لما قامت به إسرائيل آنذاك من تطهير عرقى وإجلاء للسكان عن طريق القوة والترهيب والمجازر. وفى هذا الصدد يجادل تيسلر بأن أسطورة الخروج الطوعى للفلسطينيين من بلادهم عام 1948 أصبحت ذريعة إسرائيل الرئيسية للتهرب من تحملها ولو مسؤولية جزئية عن خلق مشكلة اللاجئين، هذا ناهيك عن مسألة حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة. انتهجت المنظمات الصهيونية عقب وخلال وبعد قيام إسرائيل أبشع الطرق فى سبيل إفراغ فلسطين من أهلها العرب الأصليين وإحلال يهود غرباء مكانهم، قامت العصابات بتهجير سكان 530 قرية عربية فى المنطقة التى احتلتها فى فلسطين عام 1948، أما سجلات الأونروا فتحتفظ بسجل مكون من 662 مدينة وقرية تم تهجير الشعب الفلسطينى منها. وقد أعلنت التنظيميات الصهيوينة قيام الدولة اليهودية فى فلسطين، ولم تقف الأممالمتحدة موقف الرافض لشرعية هذا الكيان الغاصب بل قبلت انضمام دولة إسرائيل إلى الجمعية العامة فى عام 1949. وفى ظل هذه الظروف شكلت الأممالمتحدة وكالة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى وذلك فى 8 ديسمبر 1949. وبعد عدة عقود أيدت الجمعية العامة قرار الأمين العام للأمم المتحدة الذى يقضى بنقل رئاسة الوكالة إلى أراضى السلطة الفلسطينية، وذلك فى 9 ديسمبر 1994. وبناء على ذلك قام المفوض العام (للأونروا) إلترا تركمان بمخاطبة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية (ياسر عرفات) واستمرت الجهود حتى توقيع اتفاقية المقر بين «الأونروا» والسلطة الوطنية الفلسطينية فى 1996. وقد بدأت الوكالة عملياتها الميدانية فى عام 1950، وتم منح «الأونروا» الحصانة القضائية كشخصية اعتبارية دولية، كما تم منح العاملين بها أيضًا نوعًا من هذه الحصانة التى تكفل أداء واجباتهم دون التأثير عليهم أو تهديد لحرياتهم وممتلكاتهم. ومنذ ذلك الحين تقدم «الأونروا» خدماتها للاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها فى فلسطين وبعض الدول العربية (الأردن- لبنان- سوريا).. واستنادا إلى أهداف الأممالمتحدة وجهودها فى تقرير مصير الشعوب فإن إنشاء «الأونروا» يعتبر مؤقتًا بحيث تنتهى مهمتها بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم ومن ثم تقرير مصير الشعب الفلسطينى..ألا ان استمرار أزمة اللاجئين الفلسطينيين طوال هذه المدة انعكس على نوعية الخدمات التى تقدمها الأونروا للاجئين، لتشمل لاحقا التعليم وبرامج التنمية وغيرها.. صحيح أن هذه المساعدة كانت تعنى فى باطنها تغليب التشغيل على الإغاثة أى المساعدة فى التوطين، استنادًا إلى ما جاءت به بعثة المسح الاقتصادى برئاسة جوردون كلاب وهذا ما كان واضحا فى التقرير السنوى الأول للأونروا (1950-1951) إلا أن إنشاءها ساعد فى إبقاء قضية اللاجئين الفلسسطينيين قائمة وحية، وأصبحت الوكالة من خلال التسجيل الذى تقوم به، شاهدًا دوليًا على واقع هذه القضية وحق الفلسطينيين فى عودتهم إلى ديارهم والتعويض لهم وعدم تذويبهم ودمجهم فى المجتمعات التى لجأوا إليها. ولقد ساهمت الأممالمتحدة فى نشأة قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال منح إسرائيل حق العضوية للأمم المتحدة على الرغم من مخالفتها ميثاق الأممالمتحدة، حيث إن قبول إسرائيل كانت مشروطة بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلا أن الأممالمتحدة لم تلزم إسرائيل بخطوات تنفيذية تطبق من خلالها قرار رقم (149) الذى وافقت عليه نظير الاعتراف الدولى بها. ولم تقم بنفس الوقت باتخاذ خطوات عقابية تجاه إسرائيل لإلزامها بتطبيق مضمون القرار الدولى رقم (194)، مما أدى إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم نتيجة الموقف السلبى للأمم المتحدة تجاه تطبيق قراراتها، وهو ما ساهم بالتالى فى استمرار حالة الطرد القسرى التى يعانى منها اللاجئون الفلسطينيون حتى الآن. وانفردت الولاياتالمتحدة بملف القضية الفلسطينية وخصوصًا بين العرب والمنظمات الصهيونية.. ويؤكد محمد نبيل محمد خليلى فى دراسته بعنوان «الدعم المالى الأمريكى للأونروا وأثره على قضية اللاجئين الفلسطينيين» أنه قد ساهمت القوى العظمى فى نشأة قضية اللاجئين الفلسطينيين سواء على الصعيد السياسى أو العسكرى، فبريطانيا التى كانت تتولى حكم فلسطين (1917-1948) عملت على إيجاد موطئ قدم للحركة الصهيونية فى سعيها نحو إقامة دولة يهودية فى فلسطين وقدمت لها كل أشكال العون، أما الولاياتالمتحدةالأمريكية فقدمت كل الدعم السياسى للحركة الصهيونية فى سبيل إقرار مشروع تقسيم فلسطين. قامت الولاياتالمتحدة وخصوصًا خلال عقد الخمسينيات من القرن الماضى باستعمال الأونروا كأداة من أدواتها السياسية مستهدفة إيجاد حلول بديلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين ترتكز على التوطين وإعادة الدمج الاقتصادى ضمن شراكة اقتصادية إقليمية عربية إسرائيلية وذلك كجزء من رؤيتها السياسية الشاملة لحل قضية اللاجئين الفلسطينين.. وتحولت الأونروا خلال السبعين عامًا الماضية إلى أداة من أدوات الولاياتالمتحدة.. ويتضح هدف الدعم المالى الأمريكى المقدم للأونروا إلى تحقيق عدة أهداف سياسية كان من أهمها الحد من النفوذ السوفيتى السابق فى المنطقة ودعم مسار التسوية السياسية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل.. وسعت الولاياتالمتحدة من خلال وقف تمويلها للأونروا إلى إلغاء حق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم واستبداله بالحل الاقتصادى والتوطين فى خروج واضح عن الرؤية الثابتة للإدارات الأمريكية السابقة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين والتى تمثلت بالتوطن والتعويض والعودة الرمزية.. وأكدت دراسة لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينى (ماس) «تمويل الأونروا 2020-2030 من وجهة نظر اللاجئين» أن التهميش هو أبرز ملامح عملية السلام فى الشرق الأوسط على مسألة لاجئى فلسطين طيلة العقود الثلاثة الماضية، حيث استبدل مسعى البحث عن حل عادل لمأساة اللاجئين بمسعى إقامة دولة فلسطينية فى الأراضى الفسطينية المحتلة. ولكن ونظرا لكون مشاركة الولاياتالمتحدة لم تثمر حلا منصفا وعادلا بل وطدت وركنت الهيمنة الإسرائيلية على أجندة مفاوضات عمليات السلام. رغم الهجمة على الأونروا ومحاولة تصفيتها وإلغائها، إلا أنها قدمت خلال سنوات اللجوء الطويلة والصعبة والتى لايزال يعشها اللاجئون الفلسطينيون الكثير من الخدمات التى ساهمت فى تخفيف هذه المعاناة الفلسطينية عبر تقديم مجموعة من الخدمات الاجتماعية لجموع اللاجئين الفلسطينيين فى أماكن تواجدهم وضمن مسؤولياتهم. فهل من بديل سياسى دولى «يحرس» حق الفلسطينيين فى بلدهم وقضيتهم؟. قال المفوض العام للأونروا، فيليب لازارينى، إن محنة لاجئى فلسطين تظل «أطول أزمة لاجئين لم يتم حلها فى العالم»، مشددا على أنهم بحاجة- أكثر من أى وقت مضى- إلى تضامننا الجماعى.