يحتفل المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها بعيد الفطر المبارك الذى يأتى بعد انتهاء فريضة الصيام فى شهر رمضان المبارك. وفى الحقيقة إن لرمضان والاحتفال بالأعياد مذاقاً خاصاً لدى المصريين لم يتغير منذ قرون، فهو يمثل احتفالا دينياً واجتماعياً يستمر لمدة ثلاثة أيام. من خلال السطور التالية نرصد أجواء احتفالات العيد خلال تلك العصور الماضية، حسبما ورد ذكرها بالكتب والروايات التاريخية. يبدأ أول أيام هذا العيد بثبوت رؤية هلال شوال ويستمر ثلاثة أيام يطلق عليها المصريون «العيد الصغير». يبدأ استعدادهم للعيد فى الأسبوع الأخير من شهر رمضان، كما ذكر الدكتور خالد عزب فى كتابه «رمضان فى العالم الإسلامى» فى تلك الأيام تبدأ النسوة فى صنع الكعك والشريك والحلوى، بينما يستعد الرجال لإخراج زكاة عيد الفطر، وقبيل العيد بأيام تزدحم المدينة بالقادمين إليها لشراء الملبوسات الجديدة وكل ما يلزم هذا العيد، وبمقدم العيد ترى أهل المدينة جميعاً يخرجون إلى قناطر إدفينا رجالا ونساءً وأطفالاً، وذلك لأداء العيد فى الخلاء سنة عن الرسول (ص) وعند اقترابهم من المصلى يوزع شباب المدينة على الأطفال هدايا العيد ويعطرون الرجال، وبعد الصلاة وسماع خطبة العيد يهنئ أهل المدينة بعضهم البعض ويعودون إلى منازلهم للإفطار. ذكر شيخ الصحفيين «حافظ محمود» فى كتابه «القاهرة بين جيلين» أجواء الاستعداد لعيد الفطر وفى ثلاثينيات القرن الماضى بقوله: رائحة العيد كانت تفوح فى جو القاهرة منذ بداية الأسبوع الأخير من شهر رمضان، لأنها رائحة الكعك والفطائر التى كان مجتمع ما قبل سنة 1939 حيث تشهد أرجاء القاهرة زحام النساء اللواتى يحملن الصاجات لتسوية الكعك فى الأفران، وفى الواقع أن البيوت القديمة كانت نساؤهه تفاخر بأن الكعك فيها لكثرته قد بقى فى البيت من العيد للعيد. إلا أن وقوع الحرب العالمية الثانية والأزمة الاقتصادية العالمية وأثرها على مواد التموين، جعلت تقاليد الكعك تنكمش قليلا دون أن تذوب، وإن كان هذا الانكماش قد روج صناعة الكعك فى محال الكعك، لأن ظروف الحرب كانت تجعل من الصعب تنظيم هذه المسيرة من البيوت إلى المخابز. هناك مقدمة اجتماعية أخرى لا تظهر إلا فى حى الموسكى وحركة دائبة فى قياس البدل للأطفال والفساتين للبنات وتتجدد عملية القياس عند بائع الأحذية. وهناك تجارة يطغى فيها البائع السريح ألا وهى تجارة الطرابيش، وبيدأ سعر الطربوش الأحمر الصغير بخمسة قروش. أما عن زفة الإمام أكد الدكتور سعيد الفتاح عاشور فى كتابه (المجتمع المصرى) أن هناك فى الأقاليم تقاليد متوارثة منذ عهد المماليك، ومازال معمولا بها حتى يومنا هذا وهو أن أهل الحى أو القرية يجتمعون أمام منزل الإمام الذى سوف يصلى بهم العيد، فإذا خرج عليهم زفوه حتى المسجد وبأيديهم القناديل وهم يكبرون تكبيرات العيد طوال الطريق وبعد الانتهاء من الصلاة يعودون به إلى المنزل على الصورة التى أحضروها به. كما تعددت مظاهر الاحتفال بهذا العيد كما يؤرخ محمد عبده الحجاجى فى كتابه «صور من العادات والتقاليد على مر العصور فى مصر» فقد جرت عادة الناس جميعاً فى مصر أن يتزاوروا فى هذا اليوم مهنئين بعضهم بعضاً، كما أنهم يتبادلون إقامة الولائم ويهبون أطفالهم ما يسمونه العيدية وهى مقدار من النقود ينفقه الأطفال فيما يدخل على نفوسهم السرور والبهجة خلال هذا العام، كما حرص المصريون على زيارة قبور أمواتهم فيترحمون عليهم خلال هذه الأيام المباركة، وقد كانت القرافة تستعد يوم العيد لاستقبال الوافدين والزائرين. وكان من عادة الرجال حينما يقصدون القرافة يحملون معهم الريحان وزهور الياسمين وغيره والسعف الذى يضعونه على قبور موتاهم. كما أن النسوة يحملن معهن الكعك والشريك والفطير والبلح لتوزيعه على الفقراء وعلى المقرئين الذين يقصدون المقابر. كما يوضح الحجاجى أن من بين وسائل اللهو والتسلية فى هذا اليوم أن نرى الحدائق والمتنزهات تموج بالجموع الغفيرة من عامة الشعب يتلهون بالفرجة على المغنين والمغنيات والراقصين والراقصات الذين يشعون البهجة والسرور والمرح فى هذه الأماكن، ولعل ركوب النيل فى هذا اليوم من أهم وسائل الترفية التى يقبل عليها الشبان بصفة خاصة بشغف بالغ فيركبون العبارات عائدين رائحين على صفحة النيل يقرعون بالدفوف ويصبحون المغنين والمغنيات وقد بلغوا غاية النشوة والطرب والأنس. ويوضح الحجاجى أن مظاهر الاحتفال فى عصرنا الحالى اختفى بعضها أو فتر التمسك بها، واتجه الناس إلى قضاء العيد والمناسبات الدينية الأخرى فى الذهاب إلى النوادى والالتقاء بالأصدقاء للسمر والمؤانسة أو مشاهدة التمثيليات وارتياد دور السينما أو الالتفاف حول المذياع أو التليفزيون، كما عرف المجتمع المصرى، أيضا، حفلات سباق الخيل، وكان الجمهور فى الأعياد يتسابق إلى مشاهدتها فى القاهرة والإسكندرية، وكانت تمنح الجوائز فى الحفلات للخيول الفائزة، وكما جرت عادة الكثير من الأسر فى مصر أن تنتهز فرصة العيد فتقيم حفلات الزفاف لأبنائها وبناتها متخذين من هذه المناسبة السعيدة طالعا سعيداً وفألا حسنا لزفافهم. ومن ضمن احتفالات المصريين بعيد الفطر المأكولات التى يفضلون تناولها وأبرزها: (الكحك) أو(الكعك) والبكسويت و(الغُريبة). كما جاء أيضا فى كتاب «شهر رمضان منذ فجر الإسلام إلى العصر الحديث» ل «خليل طاهر» أنه اعتاد الناس على أطباق السمك ويبدو أن العادة الموجودة اليوم عند الكثيرين من تفضيل أكل السمك المجفف (البكلاه) وطواجنه التى جرى العرف على تقديمها فى أيام عيد الفطر أنها من أسهل المأكولات على المعدة فى هضمها كما أنه أكثر فائدة للجسم بعد الصيام. أبرز مظاهر العيد تكون فى بداية أول أيامه بإقامة صلاة العيد.. والتى اختلفت عبر الأزمنة المتعاقبة. يسير الموكب، يصعد الخليفة إلى المنبر، يخطب فى الناس، فإذا فرغ من خطبته تحرك موكبه للعودة، ونجد وجود موكب واحد فى الدولتين الفاطمية والعباسية، وموكبين فى عصر المماليك، أولهما موكب السلطان الذى يخرج بصحبة أولاده والقضاة الأربعة والأمراء، وموكب الوزير يبدأ من القلعة إلى داره، وقد نافس موكب السلطان فى زينته وحاشيته. فى العصر الحديث فى فترة الملكية أقرت العديد من القوانين والبروتوكولات الخاصة بالملوك والأمراء فى الاحتفال بالعيدين والتى وضعت ضمن بروتوكول «التشريفات الملكية» والتى كانت تعرض على الملك فور توليه حكم البلاد. يؤرخ الدكتور حسين حسنى باشا، السكرتير الخاص للملك فى مذكراته بعنوان «سنوات مع الملك فاروق». للاحتفالات الدينية، ومنها الاحتفال بشهر رمضان وعيد الفطر فكانت فرصة نادرة اعتاد عليها الملك فاروق فى عيد الفطر من كل عام، أن يرسل مندوباً للمحكمة الشرعية، للتأكد من ثبوت الرؤية، وما إن يتم التأكد يقوم الملك فاروق بتوزيع العطايا والزكاة، قبيل عيد الفطر المبارك. وفى أول أيام العيد كان الملك فاروق يستيقظ مبكراً لتأدية صلاة العيد برفقة الحاشية الملكية وكبار رجال الدولة، وذلك فى مسجد الغورى فى شارع الأزهر، ويعود بعدها إلى سرايا القبة، ليستقبل المهنئين بالعيد، ويواصل الملك طقوسه المعتادة فى باقى أيام العيد بإرسال الدعوات لمن يريد حضورهم للاحتفالات التى كان يقيمها فى أيام العيد، وكانت الدعوات تؤكد الحضور ببدلة التشريفة لحائزى الرتب والردنجوت، والملابس الأهلية الرسمية لغيرهم.