تظل مصر بوتقة الحضارة على مدار تاريخها الفرعونى والرومانى والإغريقى، وقد انعكست عبقرية المكان على إبداع الفنان المصرى، وبقدر ما تحتفظ الحضارة الفرعونية بأسرارها تحتفظ مصر الإسلامية بكنوز من الفنون. «المصرى اليوم» تصحبكم فى رحلة البحث عن الخدع البصرية فى العمارة الإسلامية، ويعود تاريخ استخدم الخداع البصرى إلى العصرين الرومانى والإغريقى، وقد ظهر هذا الأسلوب الفنى فى العمارة الإسلامية وعبر استخراج زخرفات متداخلة لا يستطيع الناظر تمييز بداياتها أو نهاياتها كنوع من الحاجز، وتدعى «المشربية» وتعتمد على ألوان الزجاج والظلال فى تشكيلاتها. وكشف د. عبدالرحيم خلف، أستاذ الفنون والآثار الإسلامية بكلية الآداب جامعة حلوان، على هامش الملتقى العلمى الأول لوحدة التوعية الأثرية، التابع لمشروع تطوير القاهرة التاريخية، عن نظرية الخداع البصرى فى العمارة والفنون الإسلامية وعرض صورًا تمثل الخداع البصرى فى الفنون، عبر التاريخ الإسلامى والعصر الحالى، مشيرا إلى أن هذه النظرية كانت موجودة فى العمارة الإسلامية وأن فنانى الحضارة الإسلامية سبقوا عصرهم. وأضاف «خلف» أن الحضارة الإسلامية وريثة جميع الحضارات واستطاعت مصر غرس مفهوم وإبداعات الحضارة الإسلامية لدى المصريين، مؤكدًا أن الخدع البصرية موجودة فى مختلف المنشآت الإسلامية التاريخية فى مصر، على غرار جامع الحاكم بأمر الله والأزهر والسلطان حسن وأحمد بن قلاوون وغيرها، لافتًا إلى أن هناك فنانين غربيين تأثروا بالفن الإسلامى منهم بيكاسو، لأنه ولد من أم أندلسية، وقد تأثر بالفن الإسلامى. وأشار «خلف» إلى انه من أبرز النماذج التى يمكن مشاهدة الخدع البصرية فيها لباب خانقاه للسلطان الأشرف برسباى (معروض فى متحف الفن الإسلامى)، ويتكون الباب من ضلفتين بزخارف متماثلة ومتقنة، وهو من آيات الجمال والإبداع فى العصر المملوكى، وقد تمكن الفنان من تطبيق ما يُعرف بالخداع البصرى، فيرى الناظر للباب من بعيد فروعًا نباتية متشابكة، ويتبين للمدقق أن هذه الزخارف تتضمن رسومًا ل« طيور وحيوانات»، وكتابات بخط النسخ المملوكى، باسم شمس الدين سنقر الطويل المنصورى، أحد أمراء السلطان المنصور قلاوون. وتشير دراسة بعنوان «توظيف فنون الخداع البصرى فى ابتكار تشكيلات حرفية جديدة»، أعدها د. ياسر أحمد حسن عمار، مدرس بقسم الإعلان بكلية فنون تطبيقية، إلى أن التشكيلات الهندسية ثمرة تفكير رياضى قائم على الحساب الدقيق، الذى قد يتحول إلى الرسوم البيانية لأفكار فلسفية ومعان روحية، فمن خلال الإطار التجريدى تنطلق مندفعة، عبر الخطوط فتؤلف بينها تكوينات تتكاثر وتتزايد متفرقة مرة ومجتمعة مرة، وكأن هناك روحًا هائمة تمزج تلك التكوينات وتباعد بينها ثم تجمعها من جديد.
