أدلى الناخبون التونسيون بأصواتهم، أمس، فى الاستفتاء على مشروع الدستور التونسى الجديد، الذى يؤسس لجمهورية جديدة فى البلاد، ويعزز صلاحيات الرئيس قيس سعيد، ويحول النظام الحاكم من نظام شبه برلمانى إلى النظام الرئاسى، وسط إجراءات أمنية مشددة، وتعتبر نسبة المشاركة فى التصويت هى الرهان الأبرز فى الاستفتاء الذى لا يتطلب حدًّا أدنى من المشاركة، بعد أن أعلنت أحزاب تونسية، على رأسها حركة النهضة، مقاطعة الاستفتاء، الذى يتزامن مع الاحتفال بعيد الجمهورية وإلغاء الملكية فى ال 25 من يوليو 1957، وبعد إقراره، سيحل الدستور الجديد المكون من 142 مادة، محل دستور عام 2014. وفتح أكثر من 11 ألف مركز اقتراع أبوابها أمام الناخبين، ووصفت هيئة الانتخابات انطلاق الاستفتاء بالمشجع. وقال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، فاروق بوعسكر، إن انطلاق الاقتراع تم بشكل سلس وطبيعى، إذ افتتح 4536 مركزا و11236 مكتب اقتراع أبوابها أمام الناخبين، على أن يتم إغلاق جميع المراكز والمكاتب الساعة العاشرة مساء أمس بالتوقيت التونسى ليتم بعد ذلك انطلاق عملية الفرز. وقبل انطلاق الاستفتاء، كشفت هيئة الانتخابات أن كل الأمور اللوجستية باتت جاهزة لإجراء الاستفتاء، وقال بوعسكر إن نسبة مشاركة الجالية التونسية فى الخارج أولية ومعتادة مقارنة بالاستحقاقات السابقة، وحذر بوعسكر من محاولات ممنهجة للتشويش على العملية الانتخابية فى الخارج. وأدلى الرئيس التونسى قيس سعيّد، وزوجته إشراف شبيل بصوتهما فى مركز اقتراع بحى النصر بالعاصمة تونس، كما أدلت رئيسة الحكومة نجلاء بودن بصوتها بمركز الاقتراع فى المدرسة الابتدائية بالبحيرة. وبعد التصويت، قال سعيد: «اليوم الشعب التونسى مطالب بأن يحسم هذا الأمر، وهو حر فى التصويت، نؤسس معا جمهورية جديدة تقوم على الحرية الحقيقية والعدل الحقيقى والكرامة الوطنية»، وأضاف: «على الشعب التونسى أن يكون فى الموعد والتاريخ، نحن أمام خيار تاريخى فى بناء جمهورية جديدة»، وتعهد بتحقيق مطالب التونسيين بالإصلاح ومكافحة الفساد، وأضاف سعيّد: «كل واحد منا يمتلك جزءا من السيادة، وعليه أن يمارس سيادته». وأكد أن النظام الرئاسى الذى يجرى الاستفتاء عليه ليس بالصورة التى يصورها البعض، فهناك تقنيات من النظام البرلمانى، فالحكومة مسؤولة أمام البرلمان، وقال إن هناك جهات سياسية تريد استنساخ نص فى السابق حتى يكرروا نفس التجربة السابقة. وتابع قيس سعيّد: «تونس كانت فى 1959 نظاما رئاسيا أو شبه رئاسى، لكن النظام لا يقاس بتفريق السلطات، بل بالتعددية الحزبية والتعددية السياسية الحقيقية». وأضاف أن هناك العديد من الوسائل التى تحدث التوازن فى النظام السياسى والفصل فى السلطات، وشدد على أن رئيس الجمهورية لا يستمد مشروعيته من البرلمان، بل «من الشعب الذى هو الفيصل فى نهاية المطاف». وانتقد الرئيس التونسى الفساد ومحاولات مكافحته الخجولة، وقال: «أموالنا المنهوبة بالمليارات بقيت منهوبة ولم يحركوا ساكنا. تحركوا فى بعض الفصول». ويحق ل9،296،064 ناخبًا المشاركة فى الاستفتاء الذى رفضته عدة أحزاب سياسية، وجماعات حقوقية، وبدأ المغتربون البالغ عددهم 356،291 الإدلاء بأصواتهم، السبت الماضى، لمدة 3 أيام وانتهى تصويتهم أمس. ونددت حركة النهضة، الجناح السياسى للإخوان، وأحزاب معارضة ومنظمات غير حكومية بالنصّ الجديد، معتبرةً أنه «مفصّل على قياس» سعيّد، ويحصر السلطات بأيدى الرئيس. ودعا حزب النهضة ذو المرجعية الإسلامية، وأبرز المعارضين للرئيس، إلى مقاطعة الاستفتاء واعتباره «مساراً غير قانونى»، بينما ترك الاتحاد العام التونسى للشغل، أكبر النقابات العمالية، حرية القرار لأنصاره. ومن أبرز التغييرات التى يطرحها مشروع الدستور الجديد، إقرار واضح لنظام رئاسى، ولم تعد للرئيس فيه صلاحيات الدفاع والخارجية فقط كما نص عليها دستور 2014، بل توسعت لتشمل اختصاصات تعيين الحكومة والقضاة وتقليص النفوذ السابق للبرلمان، ويحق لرئيس الجمهورية تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة، كما يُخوّل له الدستور إقالتها دون أن يكون للبرلمان دور، ولا يتضمن الدستور بنوداً لإقالة الرئيس، خلافًا لما جاء فى دستور 2014، فى حين أنه يمنح له بالمقابل الحقّ فى حلّ البرلمان والمجلس الوطنى للجهات، كما يتم انتخاب نواب البرلمان باقتراع مباشر لمدّة 5 سنوات. ويحق للرئيس، أو على الأقل ثلث أعضاء البرلمان، المطالبة بتعديل الدستور، لكن لا يمكن لتلك التعديلات أن تشمل تغييرات لمدد الولاية الرئاسية المحددة بولايتين فقط. وينص الفصل الخامس على أن «تونس جزء من الأمّة الإسلاميّة، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، فى ظلّ نظام ديمقراطى، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف فى الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرّية»، وحافظ نص الدستور الجديد على بند «حرّية المعتقد والضمير»، وتنص المادة 55 على «ألا توضَع قيود على الحقوق والحرّيات المضمونة بهذا الدستور إلّا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطى وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العامّ، أو الدفاع الوطنى، أو الصحّة العموميّة»، كما أن تعيين القضاة يتم بأمر من الرئيس بعد ترشيحات من المجلس الأعلى للقضاء المعنى بالأمر. ويواجه الرئيس التونسى وضعاً اقتصادياً واجتماعياً متأزماً فى البلاد، بعد ارتفاع نسبة البطالة والتضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وكان صندوق النقد الدولى أعلن أنّ بعثة من خبرائه اختتمت زيارة إلى تونس لبحث برنامج الإصلاحات الذى تقترحه الحكومة، برئاسة نجلاء بودن، ويقدّر خبراء أن يبلغ حجم القرض نحو مليارى يورو.