هم ترمومتر الشعوب.. فبهم تقاس يقظة البلاد، والمطالبة بالحقوق، هم الطبقة الكادحة فى المجتمع، حيث يمثلون غالبيته، على أكتافهم قامت الثورات، وانقلبت البلاد من حال إلى حال، هم طبقة «العمال»، خصصت لهم الدولة مقاعد فى المجالس النيابية للتعبير عنهم، وعن مشاكلهم، لكنهم يرون أنهم «لم يأخذوا حقهم بالرغم من الثمن الذى دفعوه للبلاد، ولنهضة اقتصادياتها». «الاعتصامات العمالية».. مصطلح جديد ظهر فى الآونة الأخيرة فى الحياة السياسية المصرية، يشعرون أن حقوقهم مسلوبة، ولا يحصلون على معظم حقوقهم، «الفصل التعسفى والحرمان من التأمين الصحى» أحد المطالب التى ارتفعت بها أصوات العمال فى الآونة الأخيرة. رحلة المعاناة تبدأ بمجرد أن يتم إخطار العامل بفصله عن العمل، الذى يعتبرونه «تعسفيا»، فبعد سنوات العمل التى تصل إلى 30 عاما بالشركة يكون جزاؤه الفصل، لأسباب يعتبرونها «واهية»، فيقوم صاحب الشركة بتصفية الشركة من العاملين القدامى، واستبدالهم بالشباب ومن هم أصغر سناً، فتقوم الشركة بوقفه عن العمل لمدة شهرين، وبعدها يتم فصله، ولكن خلال الشهرين يكون من حق العامل الحصول على راتبه وحقوقه كاملة، ومنها حصوله على التأمين، وهو ما لا تلتزم الشركة به، وبعدها تبدأ رحلة العامل فى المحاكم للحصول على حقوقه من الشركة، حيث تقوم المحكمة العمالية بنظر الدعوى القضائية التى قد تستغرق أعواماً لحين الحكم فيها. وطوال هذه الفترة ينقطع أى حق من حقوق العامل، فيكون التأمين الصحى أحد الحقوق التى يُحرم منها العامل، فحين يصيبه أى مرض ويتوجه لأى مستشفى للتأمين الصحى، يقابله الرد: «إنك مفصول من العمل، ولا يحق لك العلاج بالتأمين الصحى»، فيكون رده: «إن القضية لاتزال محل المداولة داخل المحكمة»، فالعامل محروم من التأمين الصحى، حتى تثبت براءته». وأثناء تداول تلك الدعاوى القضائية أمام المحاكم لسنوات، يُحرم العامل من جميع مستحقاته من رواتب، وتأمين صحى، وكل ما يضمن له الحياة الكريمة، فيظل منتظرا حكم القضاء، ويكون خلالها محروما من كل حقوقه. 13 عاما يعمل بالشركة، لم تشفع لحسن الصياد أن يحصل على حقوقه، حسب قوله. وأضاف: «يخدوك لحم.. ويرموك عضم» هذا هو ملخص الحكاية، فهو كان يعمل بالمؤسسة المصرية للزيوت النباتية «انفوكو» بقسم الشفاطات، وأثناء عمله بالشركة عام 2008، وقع عليه أحد الأحجار مما أدى لإصابته ب«شبه شلل فى المخ»، يقول حسن: «لم يقف أى مسؤول بجانبى، إلا بعد ضغوط من أعضاء اللجنة النقابية فى الشركة، فيتم تحويلى إلى أحد الأطباء، وبعدها بدأت أعانى حالة نفسية أثرت على حياتى العائلية، بسبب إهمال الشركة وتماديها فى توفير سبل العلاج الجيدة». لم تنته معاناة حسن عند هذا الحد، حسب كلامه، فبعدها قامت الشركة بإصدار قرار بفصله فى يناير الماضى، وأوضح حسن: «حدثت مشاجرة بينى وبين أحد زملائى، فتم تحرير محضر ضدى، ولكن بعدها تنازل زميلى عن المحضر، إلا أن إدارة الشركة رفضت التنازل للتخلص منى، واتهمتنى بتخريب بعض المنشآت، فتم فصلى وتحويلى إلى المحكمة العمالية، وبذلك حرمت من راتبى وتأمينى الصحى». وتابع «حسن»: «عندما ذهبت إلى مستشفى كرموز للعمال، للحصول على علاجى، رفض مدير الشؤون القانونية علاجى، حتى يتم الحكم فى القضية، وأنا الآن لا أستطيع دفع مصاريف علاجى على نفقتى الشخصية، وبذلك توقفت حياتى، فلا عمل ولا راتب، ولا حتى علاج، كيف نعيش هذه العيشة»، «لحظة الفرج» هى ما ينتظره «حسن»، وهو الوقت الذى تقوم المحكمة بالحكم له، ومن ثم يعود لعمله، وبذلك يحصل على حقوقه كاملة، وتساءل: «متى تأتى هذه اللحظة؟». جمال مصطفى موسى هو «الضحية التالية» هكذا يعتبر نفسه، رجل فى الخمسينيات من عمره، كان يعمل سائقاً بإحدى الشركات، فكان يعمل ثلاث ورديات، وأضاف: «ضاعت صحتى وعندما طالبت بحقى فى أخذ إجازة لم يوافقوا، فاحتججت، وكان جزائى أن قاموا بفصلى بوقفى عن العمل، بعدها تم تحرير مخالفة ضدى أثناء فترة العمل، كانت سببا فى فصلى وتحويلى إلى المحكمة العمالية». وأضاف «موسى»: «من تلك اللحظة وأنا لا أعمل، ورغم كبر سنى، وإصابتى بأمراض، فلا أستطيع أن أذهب لأى مستشفى تأمين صحى للعلاج، حيث يطلبون منى خطاباً من الشركة التى أعمل بها للحصول على علاج، وهو ما لا يمكن، لأن الشركة نفسها فصلتنى، وبالتالى لا يمكن أن تعطينى خطاباً للعلاج». وتابع: «أنا الآن رجل فى ظروف صعبة، وبدأت أمراض الشيخوخة تصيبنى، وعلىّ أن أنتظر حتى تحكم لى المحكمة العمالية التى قد تستمر لسنوات، فلى زميل حكمت له المحكمة بعد 6 سنوات بالعودة للعمل، وطوال هذه الفترة أنا أعانى، وأحتاج العلاج، ولا أستطيع أن أصرف على نفسى، لأننى ليس لى راتب، فكيف أعالج وأنا محروم من التأمين الصحى». «رضا ظريف» عامل بالشركة المصرية لصناعة البلاستيك قال إنه منذ عدة سنوات كان يعمل بوظيفة إنتاج الرصاص المستخدم لصناعة البطاريات، براتب 600 جنيه، يروى رضا حكاية فصله وحرمانه من الراتب والتأمين فيقول: «فى يوم أثناء عملى، قامت إحدى الآلات بالضغط على يدى، فذابت فى درجة حرارة 4 آلاف مئوية، فتوقفت عن العمل لمدة 7 أشهر، بسبب إصابتى، وحدوث عجز بنسبة 10%، فى تلك الفترة، لم تقم الشركة بصرف راتب لى». «هوه ده جزاء اللى يشتغل مع ناس مش بتخاف ربنا.. خسرت ذراعى، وفى الآخر كان جزائى إنى أتفصل، حسبى الله ونعم الوكيل فى الظالمين» يصرخ رضا داعيا على من تسببوا فى حرمانه من مصدر رزقه، فبعد انقطاعه عن العمل طوال تلك الفترة قامت الشركة بنقله لقسم آخر براتب 260 جنيهاً، ورفضت زيادة راتبه، أضاف رضا: «قمت برفع دعوى قضائية ضد الشركة، كانت سبباً فى منعى من ممارسة أى عمل، فقام أحد المسؤولين بالشركة بعرض التنازل عن قضيتى مقابل بقائى فى العمل، إلا أننى رفضت ذلك، فقررت الشركة فصلى تعسفيا وحرمانى من راتبى، وبالتالى توقف العلاج الذى كنت آخذه من التأمين الصحى». «العيشة دلوقتى ملهاش لازمة، فقدت مصدر رزقى، وحرمت من علاجى، فكل ما أذهب لمستشفى كرموز للعمال لصرف العلاج الخاص بذراعى، يرفضون، لأنى مفصول من الشركة» ويتساءل رضا: «من أين أصرف على أولادى، وعلى علاجى، أين دور القوى العاملة فى الصرف علىّ أنا وأولادى، من يأخذ لى حقى؟؟». شعبان عبدالعال ومحمد فهيم من العمال المفصولين من إحدى الشركات، أصابتهما أمراض العصر، من الضغط والسكر وانزلاق غضروفى، لم تطَلهما مصيبة الفصل فقط، بل امتدت لحرمانهما من علاجهما التأمينى». وانتقد أحمد غازى ورمضان مرسى أعضاء اللجنة النقابية المفصولين داخل شركة «إنفوكو»، غياب دور القوى العاملة فى المحافظة، وتحويلها أى قضية إلى المحكمة العمالية دون التحقيق فيه، أو محاولة اتخاذ موقف ضد إدارات الشركات التى تقوم بفصل العمال. «صندوق الطوارئ الخاص بوزارة القوى العاملة أين هو فى تلك الحالات؟»، سؤال يطرحه العمال، حيث إنه من المفترض أن يتم الصرف من الصندوق على العمال الذين يمرون بظروف صعبة بعد الفصل، حتى يتم الحكم فى قضاياهم، «ولكن القوى العاملة تقوم بالصرف على العمال بعد إغلاق شركاتهم لفترة قصيرة فقط، ثم تنقطع». وأكد على عبداللطيف مديرعام مديرية القوى العاملة والهجرة فى المحافظة، أن فصل العامل تختص به المحكمة العمالية، ولا يجوز لصاحب العمل فصله، إلا بعد تقديم طلب للجهة الإدارية المختصة لفصل العامل إلى المحكمة. وأضاف عبد اللطيف أن القانون أجاز لصاحب العمل، أن يوقف العامل، لمدة شهرين، ويستحق العامل أجراً، خلال هذه المدة، حيث يكون الوقف لصالح العمل، أو للتحقيق تجريها الجهة المختصة مع العامل، فى حالة ارتكابه أى أخطاء، يستوجب فصله، يرجع ذلك لنص المادة 69 من قانون العمل الصادر 12 لسنة 2003، وتعديلاته. وأشار عبداللطيف إلى أن صاحب العمل الذى يقوم بفصل العامل دون أى أسباب، أو عرض أمر فصله على الجهة المختصة، فبهذا يكون صاحب الشركة خالف القانون، وأحكام المادة 68 من القانون المشار إليه، حينها تقوم مديرية القوى العاملة والهجرة بتحرير محضر مخالفة لصاحب الشركة، وتتم إحالته إلى المحكمة العمالية، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية فى حالة تضرر العامل، من قيام صاحب العمل من فصله، دون اتخاذ الإجراءات المتابعة اللازمة. وتابع عبداللطيف: أنه يتم إحالة الشكوى إلى المحكمة العمالية لوقف قرار الفصل التعسفى، وعودة العامل لعمله، وصرف جميع مستحقاته، ويترتب على فصله تعسفيا الحفاظ على جميع حقوقه، التى حفظها المشرع للعامل، ويرجع الأمر فى تفويض عودة العامل لعمله للقضاء. وأكد عبداللطيف أنه طوال هذه الرحلة بين العامل والمؤسسة يكون العامل محروما من أى تأمينات بمجرد انتهاء مهلة شهرى الإيقاف، وبعدها يكون العامل فى رحلة مع المحكمة العمالية التى قد تستمر لأكثر من ستة أعوام، حينها يكون العامل محروما من أى علاج تأمينى، مما يمثل وسيلة أخرى من وسائل التعذيب للعامل، فبالإضافة إلى حرمانه من راتبه ومن عمله، يحرم من أى تأمين صحى، أو علاج بمستشفيات التأمين، إلى أن يصدر قرار بعودته إلى العمل مرة أخرى. من جانبه قال الدكتور عمر فاروق، مدير التأمين الصحى، إن التأمين ليس طرفا فى الأزمة، فالقانون رقم 979 لسنة 1963، ينص على ضرورة أن يكون العامل له راتب ثابت من جهة العمل ومنتظم به، حتى يكون له حق الانتفاع من التأمين الصحى، تطبيقا للقرار الصادر. وأضاف فاروق أن التأمين الصحى لا دخل له بما يجرى بالمحكمة العمالية، والقرارات التى تصدر عنها، وأنه بمجرد أن يصدر قرار من الشركة بفصل العامل، يكون غير محسوب على المؤسسة، فإذا أتى إلينا فلا يحق لنا علاجه، لأنه غير تابع لأى جهة، وطالما أن العامل تم فصله فبالتالى لا يحصل على راتب، ومنها لا يتم أخذ نسبة من التأمينات على راتبه، معتبرا أنه لا علاقة للتأمينات بتأخر المحكمة العمالية فى إقرار أحكام بفصل العامل أو عدم فصله، فحتى لو استمرت القضية فى المحاكم لسنوات، فبمجرد فصله يتوقف تأمينه. وأكد أنه لا يوجد تأمين على أفراد بل يكون التأمين على المؤسسات، «أى أنه إذا أتى إلينا الشخص وطلب التأمين دون تبعيته لأى مؤسسة، فلا يمكن عمل التأمين له»، مؤكدا أن التأمين الصحى هو جزء من التأمينات الاجتماعية، وقال: «احنا بناخد فلوسنا من التأمينات وليس من الموظف أو من الجهة العمالية، وبالتالى فليس لنا مصلحة فى عدم صرف التأمين للموظف، فنحن لسنا طرفا فى المشكلة بل هى بين العامل وجهة العمل، والمحكمة العمالية هى الفيصل».