«معيط» من واشنطن: منظومة التأمين الصحي تستهدف حماية كل أفراد الأسرة المصرية    «مجموعة ال7»: نتابع بقلق بالغ العدد غير المقبول للمدنيين الذين قتلوا بغزة    رئيس بعثة الأهلي يشكر السفير ويشيد بجهود السفارة المصرية في الكونغو    الأهلي يواجه أويلرز الأوغندي في أول لقاءاته ببطولة ال«Bal»    إحباط ترويج 24 كيلو حشيش وضبط تاجر مخدرات بالإسكندرية    ضبط شخص بتهمة النصب والاحتيال على المواطنين في القليوبية    دعاء يوم الجمعة مكتوب.. «اللهمّ افتح لنا خزائن رحمتك»    توريد 799 طن قمح لصوامع وشون القليوبية وحصاد 15 ألف فدان    هل الخميس المقبل إجازة رسمية؟.. الموعد الرسمي لعطلة عيد تحرير سيناء 2024    وزير الخارجية يعقد جلسة مشاورات سياسية مع نظيرته الجنوب إفريقية    CNN: إسرائيل تحتاج لدعم كبير من الحلفاء للدخول في حرب شاملة بالشرق الأوسط    بولندا تعلن إقلاع مقاتلات لتأمين مجالها الجوى خلال هجوم روسى على أوكرانيا    بايدن يدرس إرسال أسلحة جديدة بأكثر من مليار دولار لإسرائيل    تحطم طائرة عسكرية روسية ومصرع أحد أفراد طاقمها    بدء تطبيق الأسعار الجديدة ل الخبز السياحي والفينو اعتبارا من الأحد    196 عمارة بمدينة بدر لسكن موظفى العاصمة الإدارية بنسبة تنفيذ 98.5%    نجمة يد الأهلي: هدفنا الفوز بكأس الكؤوس.. ومواجهة بريميرو صعبة    "الانتداب البريطاني انتهى".. رسائل نارية من محمود عاشور لبيريرا    اتفاقية بين تيدا وشين فنج لإنتاج ألياف البوليستر والفايبر جلاس باقتصادية قناة السويس    بمشاركة وزير الشباب.. الجامعة البريطانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يطلقان أكبر ماراثون رياضي    جاري ضربني بالنار.. الأمن العام يضبط المتهم بقتل شخص في أسيوط    «الأعلى للجامعات التكنولوجية»: وضع إطار عام للوائح وتعميم الساعات المعتمدة بجميع البرامج التعليمية    هل يعود الأحد يوم عمل للموظفين «أون لاين» من المنزل؟.. الحكومة تحسم الجدل    قضايا القليوبية في أسبوع| المؤبد لشقيقين قتلا مواطنًا بعد سرقته .. الأبرز    إلغاء تحليق رحلات البالون الطائر بالبر الغربى لشدة الرياح صباحا بسماء الأقصر    رحيل صلاح السعدني.. حكاية رسوبه في أول اختبار تمثيل    10 مايو.. تامر عاشور والعسيلي بحفل شم النسيم    رئيس الوزراء يستعرض خطة «الثقافة» لتفعيل مخرجات الحوار الوطني    قانون التأمين الموحد وموازنة وخطة 24/ 25 على مائدة مجلس النواب.. ووزيرا المالية والتخطيط يعرضان البيان المالى للموازنة والخطة الإثنين.. وخطة النواب: 5.2 تريليون جنيه إيرادات متوقعة بمشروع الموازنة    أعراض التهاب الجيوب الأنفية على العيون.. تعرف عليها    غداء اليوم.. طريقة تحضير كفتة الدجاج المشوية    بث مباشر.. نقل شعائر صلاة الجمعة من مركز منوف بمحافظة المنوفية    كاسيميرو: أنشيلوتي بكى بعد قرار رحيلي عن ريال مدريد    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    قافلة طبية مجانية لفحص وعلاج أهالي «سيدى شبيب» شرق مطروح.. السبت المقبل    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الجمعة في الأسواق (موقع رسمي)    ميرنا نور الدين تخطف الأنظار بفستان قصير.. والجمهور يغازلها (صورة)    "الزمالك مش أول مرة يكسب الأهلي".. إبراهيم سعيد يهاجم عمرو الجنايني    أزمة نفسية.. تفاصيل إنهاء فتاة حياتها بحبة الغلة في أوسيم    ألونسو: مواجهة ريال مدريد وبايرن ميونخ ستكون مثيرة    20 مدرسة فندقية تشارك في تشغيل 9 فنادق وكفر الشيخ وبورسعيد في المقدمة    مخرج «العتاولة» عن مصطفي أبوسريع :«كوميديان مهم والناس بتغني المال الحلال من أول رمضان»    طلب إحاطة لوزير الصحة بشأن استمرار نقص أدوية الأمراض المزمنة ولبن الأطفال    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 19 أبريل 2024.. «الدلو» يشعر بصحة جيدة وخسائر مادية تنتظر «السرطان»    وزير المالية يعرض بيان الموازنة العامة الجديدة لعام 2024 /2025 أمام «النواب» الإثنين المقبل    «التوعوية بأهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي لذوي الهمم».. أبرز توصيات مؤتمر "تربية قناة السويس"    حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة    «العشرية الإصلاحية» وثوابت الدولة المصرية    أخبار الأهلي : موقف مفاجئ من كولر مع موديست قبل مباراة الأهلي ومازيمبي    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما عاد عمرى يسمح
نشر في المصري اليوم يوم 04 - 06 - 2011

أنا فى السبعينيات من عمرى. ومن الممكن القول إنى فى «شباب» الكهولة، إنه إذن التعبير، ذلك أن عمر الإنسان لا يحسب بالسنين، وإنما بقدر رحابة تجربته. ذاكرتى لم تصدأ بعد وقلبى مازال نابضاً بحب الحياة والمرأة وحماسى لم يفتر بعد، وإيمانى بالمستقبل بلا حدود، عشقى للحرف لا يتوقف. أحمل خبرات حياتية فوق ظهرى لأكثر من أربعين عاما. عشت عصر العمالقة صناع وجدان مصر فى الأدب والفن والفكر والغناء، أشجتنى أم كلثوم كما أشجانى السجينى بفنه المنحوت، طربت لعبدالحليم كما أطربنى يوسف إدريس بقصصه، طفت مع السندباد د. حسين فوزى مدن الفكر، كما دوخنى زكى نجيب محمود بفلسفته.
أحببت جمال عبدالناصر الرمز وكرهت نظامه المستبد. عشقت مغامرات السادات السياسية وكرهت أبواب الانفتاح سداح مداح، أحببت مبارك السنوات الأولى وكرهت تسلط بيته عليه وتغييب مستشاريه له. انحنيت احتراما لفؤاد محيى الدين رئيس الوزراء وقدرت عاطف صدقى وصدمنى أحمد نظيف ورجال أعماله السودة، عظمت سيرة طلعت حرب لأنه بنى اقتصاد مصر وترك بصمة وأسقطت من حسابى من لعب باقتصاد مصر وترك جرحا كله صديد. أشفقت على جيش مصر النكسة الذى لم تختبر صلابته وعاد حافياً ذليلاً. وصفقت للسادات ككل المصريين عندما كسبنا حربا بالتدريب والدهاء والمراوغة، أخرجتنا من عتمة الانكسار. احترمت الشيخين الجليلين الباقورى والغزالى، وتأذيت من الأسلمة السياسية واللحى المريبة. أحمل فى قلبى احتراما لحكمة البابا شنودة وروحانية البابا كيرلس، وعلم متى المسكين.
تعلمت من سلامة موسى كيف أقرأ، ومن أحمد بهاء الدين كيف أفكر ومن فتحى غانم كيف أصوغ عبارتى، ومن إحسان عبدالقدوس كيف أصون قلبى. أعطيت كل شبابى لمهنة الصحافة وحين سرت يافعا كتبت المقال وجلست يوما على نفس ذات المقعد الذى جلس عليه أحمد بهاء الدين رئيسا لتحرير «صباح الخير». حملت لواء الصحافة التليفزيونية وقدمت آلاف الحلقات وكسبت مصداقية شارع، رأى مصريا أسمر لا يتمتع بأى وسامة وفى يده ميكروفون وخلفه عدسة.
صرت أحاور الكبار والوزراء والعلماء والمفكرين ورجال الجيش، كانت أسئلتى المدببة هى «رأس الحربة» فى أحداث المحروسة. نجوت بنفسى من الأحزاب «لعبة الصراعات والوقيعة»، ربما خسرت فى نظر البعض ولكنى كسبت نفسى: فأنا لا أحلم بالمناصب أو المقاعد، ومهنيتى تتلخص فى كلمتين: قلم وعدسة، وقد شبعت حضوراً يرعاه الله، ما عاد عمرى يسمح بالصمت: فالفساد الذى استشرى سرطانيا فى جسد وطن كان لابد له من «ثورة» تزيل العفونة وقد كان الحل فى يناير 2011.
وما أرهق الناس هو ذلك «التشوه» الأخلاقى الذى مارسه البعض بالكلام المرسل وجر رجلين شرفاء بلا مستندات دامغة باترة وهى بلاغات للتشفى ونشوة الانتقام. وقد استنفد هذا العبث الوقت والجهد، مما يوصف بهدر طاقة المصريين لكنها حالة كبت وحرمان طويل من الاحتجاج.
ما عاد عمرى يسمح بالكلمات الملونة المرشوش عليها مسحوق الحذر: فالقاضى الذى سيصدر حكما مستوحى من الأوراق التى أمامه ومن ضميره، لن يتأثر بالجماهير المليونية وإلا صرنا أمام مقصلة ليست «صناعة مصرية» خصوصاً لثورة قامت لتحقق «عدالة»، فليس من العدل أو العدالة أن تصدر أحكام، عينها على المليونيات. وعندى ثقة أن التاريخ سيصف يوما قضاء مصر فى مثل هذه الأزمنة ب«أيقونة» الضمائر الحية.
ما عاد عمرى يسمح بعدم مواجهة شباب الثورة بتصور خاطئ يخاصمه الصواب أننا أجيال توقفت عن الصراخ فى وجه الحكام، فصراخنا واحتجاجاتنا كانت «المادة الخام» لجنين ثورة فى رحم المستقبل. نحن نحمل خبرة أكثر منكم، خبرة لم تكن لها آليات تكنولوجية، كتلك التى تربت فى أذهانكم فى السنين الأخيرة..
نحن عشنا عصوراً مختلفة واتمرمطنا وتعبنا وأرهقتنا الأيام. لم تكن الرحلة وردية ولا نزهة على شط النيل بل كانت كفاحا مضنيا بلا مليونيات ولا فيس بوك. ما عاد عمرى يسمح بالنفاق الرخيص لثورة شباب لديه الحس للتمييز بين ثبات الموقف وأرجوحة المواقف.
بين الكبرياء الشامخة والبندول المهزوز. بين احترام الذات وتنطيط الأقزام فوق الأكتاف. بين من يواجهكم بالأخطاء، وطابور المداحين والكورس الذين يزينون لكم الأخطاء. بين من يسدون لكم النصح كبشر ومن يعاملونكم كملائكة لا يخطئون. والثورة تصل إلى حالة السمو حين تتسم بالإنصاف.
ما عاد عمرى يسمح بأدب القرود، فأنا لا أعرف مع من أتكلم. ولو عرفت لاسترحت، والله لقلت: إنها آفة فى منهج الثوار وهى «الاتفاق على لا أحد» وصارت كلمة «ارحل» فى فم الأطفال وفى فم «البلطجية» وفى فم «العراة من الموهبة» وفى فم «أصحاب الصوت العالى» وفى فم «أى حد» يريد أن يزحزح أحدا من مكانه، فصارت قيمة الديمقراطية مجرد سراب ولغو و«سبوبة» على الشاشات.
الحساب ضرورة لمن سرق مالا أو أرضا أو منصبا أو وطنا. ما عاد عمرى يسمح بالصمت، فالتاريخ بعد قرن من الزمن سيصف ثورة يناير 2011 بالإعصار العظيم، ولكنه لن يسكت على «محو» تاريخ، حفر بنفسه وبأظافره فى وجدان المصريين، سيقول التاريخ لقد حاسبوا الفساد وأدانوه ولكنهم بالحكايات المخترعة والمتفبركة عذبوا جيلا من الأولاد والأحفاد، وهذا هو الجانب النفسى السيئ لثورة تحترم سلامة النفس والبدن أو هكذا أتصور.
ما عاد عمرى يسمح بحجب رأيى. يا ثوار يناير، هناك من تربص بكم و«نشل» الوهج والضياء، فتنبهوا للعباءات الملونة والجلابيب واحترموا قناعات الناس لنعيش مولد ديمقراطية. فأنتم لستم مصر بامتداد أفقها ال85 مليونا. فهذا الشعب «البائد» بفلوله «!» منهم ضابط الجيش وضابط الشرطة والقاضى ورجل النيابة وأستاذ الجامعة والمثقف ورجل الأعمال والعالم والفنان والمدرس والخبير والرياضى والمتطوعة والمربية وشباب فى أعماركم فى بلاد الله يضخون الأموال فى عروق مصر، هذا الشعب البائد فيه كفاءات مصر الصفوة والصحوة، وبدونها لا كيان للبلد.
إن أعضاء الحزب النازى فى ألمانيا قرابة تسعة ملايين ونصف المليون نازى، ولم يحدث أن سمعنا أن ألمانيا أطلقت عليه «عهدا بائداً» بعد سقوط الطاغية هتلر. تلك هى روح الديمقراطية فى أوج تحضرها. مفهوم؟
إن جموع الشعب البائد وافقتم أو أبيتم هى التى اشتركت فى الاستفتاء على الثورة، وهذا الشعب «البائد» هو الذى سيخرج منه، وافقتم أو رفضتم مجلسا شعب وشورى ومحافظون ورؤساء محليات وجامعات. هذا الشعب «البائد» هو الذى سيختار رئيس الجمهورية القادم. فيا ثوار يناير 2011 يا إخوتى، أنتم لستم بقضاة فوق منصات افتراضية!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.