لا أعرف يا زويل لماذا أشعر بالضيق و الغثيان كلما رأيتك أو سمعتك تتحدث. نعم لا أعرف لماذا يراودني هذا الشعور الذي طالما راودني في السابق كلما رأيت أو سمعت أعضاء الحزب الوطني المنحل في أيام عصر الفساد البائد. و لأني لا أعرف فقد قررت ان أكتب لك عسي أن تقرأ ما أكتبه و ترد عليه فتساعدني علي تقبلك و هضم ظهورك المكثف في وسائل الإعلام. لا أستطيع أن أنسي عندما أتيت سيادتكم في أول أيام الثورة و كنت قد طلبت قبل ركوبك الطائرة في طريقك إلي مصر أن يستقبلك بعض شباب الثورة في المطار. أليس هذا بشيء عجيب؟ تأتي إلي مصر في أوج ثورتها و تطلب من الثوار أن يتركوا الميدان ليقابلوا سيادتك في المطار؟ لماذا؟ لا أعرف... يبدو أن مشهد وصول البرادعي إلي مطار القاهرة و إستقبال الشعب له جعلك تشعر ببعض الغيرة التي أنستك إن الشعب مشغول بثورته و لن يتركها ليستقبلك في المطار. و لا استطيع كذلك أن أنسي "لجنة الحكماء" التي تزعمتها و أردت بها أن تقود الثورة. و في ذلك شقين.. أولهما الإنتهازية في الظهور المفاجيء و الركوب علي موجة النصر بدون سابق إنذار و ثانيهما الصفة الإستفزازية في تخصيص الحكمة لهذه اللجنة فقط و التي لم تر النور إلا لأيام معدودة من دون كافة طوائف الشعب التي قامت بالثورة. و لعلك تعلم أن الفرق بين العالم و الحكيم فرقٌ كبير و أن الحكمة ليست بالألقاب و إنما بالإكتساب الذي يجعل الناس تطلق علي شخص ما صفة "حكيم" و لا يطلقها هو علي نفسه. و قد يكون الشعور بالضيق بسبب لغة التعالي و الغرور التي تتحدث بها و كأنك العالم و المثقف الوحيد الذي جاء ليعالج شعباً من الجهلة و غير المتعلمين. كلا يا سيدي إن مصر كانت و مازالت مهد ثري للعديد من الكوادر العلمية التي حازت علي أعلي مراتب العلم و أسمي درجات التقدير من العالم كله. و يكفيك فخراً يا زويل أن تتصفح صفحات التاريخ لتعرف من هم المصريين من علماء و أدباء و شخصيات عظيمة غيرت أوجه العلم و التاريخ و منهم من حصل علي جائزة نوبل مثلك تماماً. و أعتقد أنك تتفق معي بأن كونك عالم متخصص في مجالك لا يجعلك ذلك عالماً في كل شيء و خاصة إنك بخلت علينا بتفسير إكتشافاتك العلمية و كيف تخدم هذه الإكتشافات البشرية عندما يتم تطبيقها عملياً و ليس إفتراضياً إذا أمكن ذلك. بل و الأهم من ذلك هو ان تقول لنا كيف ستخدم هذه الإكتشافات شعب مصر العظيم. أما كونك تريد أن تقوم بمشروع علمي في مصر أطلقت عليه إسمك و لا أعلم السبب في ذلك، و لكنها فكرة طيبة. و لكنك تطلب من الشعب أن يتبرع لك لعمل مشروعك و تفتح حساب مصرفي لتتلقي التبرعات. بل و إنك تريد أن تستولي علي مباني جامعة النيل من أجل هذا المشروع الذي لا يعلم أحد ضمانات نجاحه و أخشي ما أخشاه أن يكون توشكي أخري. إن كنت صادق النية فقد كنا ننتظر منك أن تعطي مصر لا أن تأخذ منها و في مثل هذا الوقت الذي تحتاج فيه مصرنا إلي السواعد تبني و تزرع لا للأيدي تمتد لتأخذ منها و تستولي علي مبانيها. إذا قرأت هذا يا زويل فأنت تعرف ما يستفز مواطن مصري عادي يرجو أن تساعده في فهم نواياك أن إستطعت، فإن لم تستطع فإرحل كما رحلت من قبل و كما رحل غيرك فنحن لا نريد علماً يشوبه الغرور و لا نريد أن نصدر تكنولوجيا بإسم شخص علي حساب كرامتنا. عظيمة يا مصر. بقلم د. ياسر الدرشابي