أسقطَ الشعب مبارك بثورة عظيمة أبهرت العالم كله و زاد من عظمتها إنحياز الجيش المصري لها مما أثبت للعالم أن مؤسسة القوات المسلحة المصرية هي مؤسسة الشعب و ليست مؤسسة الحاكم كما هو الحال في كثير من البلاد التي قد تعاني الأمرين بسبب ذلك. عندما قام الشعب بهذه الثورة تحول مبارك من رئيس يَحكم إلي مواطن محكوم. و عندما بدأت التحقيقات معه تحول من مواطن عادي إلي متهم قيد التحقيقات و المحاكمات. و كونه متهم بالقتل و السرقة و غيرهما من تُهم فمكانه الطبيعي هو خلف القضبان في مشهد أخر يساوي مشهد الثورة نفسها في العظمة و الفخر. فالأمة القادرة علي تطهير نفسها و إعمال سيادة القانون و مبدأ المساواة هي في الحقيقة أمة عظيمة تتطلع إليها كل العيون ببريق الإعجاب و التباهي. و هذه القدرة علي تفعيل مبدأ المساواة هي ما حث عليها الله عز و جل و تحدث بها أنبياءه في كثير من المواقف التي سجلها التاريخ البشري. و لكن للأسف... قام شعب عظيم بثورة عظيمة إنحاز لها جيشٌ عظيم و لكننا فشلنا حتي الأن في تفعيل المساواة و سيادة القانون. فمبارك المحبوس و الذي تم تحويله لمحكمة الجنايات مازال مقيماً في جناح فاخر بمستشفي يدفع الشعب ثمن إقامته فيه. كيف يا سيدي الوزير يدفع المجني عليه ثمن إقامة قاتله؟ و كيف ينظر العالم بعد ذلك للقانون و العدل في دولة مثل مصر ذات تاريخ و حضارة شهدت عليهما العصور؟ سيدي الوزير، لقد ضاع من عمر هذا الشعب ثلاثين عاماً بلا فائدة، بلا كرامة، بلا حرية. و ياليت الأمس يعود فنُصلح أخطائنا، و لكن الزمان لا يَرجع إلي الخلف و ما ضاع من عمرنا لن يُعوضنا عنه شيئاً أبداً إلا ما تبقي لنا من أحلام بمبادئ الحرية و العدالة و المساواة... هذا فقط هو ما سيعوضنا سنوات العمر التي ضاعت في الظلم و الإستعباد. إن إعمال العدل و المساواة في مبارك هو درس تاريخي سيُسجله التاريخ ليتعلمه المصريون و أولادهم و أحفادهم من بعدهم. بل إنه ما سيجعل العدل و المساواة رمزان لهذا الوطن العظيم الذي ظل يُرمز إليه بالمهانة و الإستكانة لمدة ثلاثة عقود. و أضف إلي ذلك سيدي الوزير أن مشهد الحاكم الفاسد خلف القضبان هو صمام أمان للشعب، فهو كاف ليَمنع أي حاكم قادم يتولي شئون البلاد أن يشيع فيها الظلم والفساد. فهل آن الأوان سيدي الوزير أن تدخل التاريخ من أوسع أبوابه و تكون أنت أول وزير في أول وزارة تعمل يد بيد مع أعظم جيش في المنطقة لإعمال مبادئ المساواة و تطهير جسد الوطن من حاكم إتهم بالفاسد و كل ما يطلبه شعب هذا الوطن هو المحاكمة العادلة لهذا الحاكم حتي لا يكون أحد صغيراً كان أو كبير فوق القانون. عظيمة يا مصر. بقلم د. ياسر الدرشابي