بقلم د. ياسر الدرشابي إذا كان البعض معترضاً علي قرارات المجلس الأعلي للقوات المسلحة أو كيفية إتخاذها فهل من بعض التعقل و التروي قبل إتخاذ أي قرار قد يكون من شأنه ان نخسر كل شئ جميل حققناه حتي الآن؟ بالرغم من الوعي الشديد الذي ظهر به الشعب المصري منذ أول أيام الثورة العظيمة و بالرغم من أننا كنا علي علم تام بمخططات الثورة المضادة للتفريق بين الثوار و شق صفوفهم حتي من قبل التنحي و أثناء تواجدنا بالميدان. و بالرغم من إدراكنا لكل المحاولات المميتة لهذا التيار المضاد للزج بالشعب في ظلمات الفُرقة و غبون الفتن إلا أنه يبدو أن بعضنا قد وقع فعلاً فريسة لإحدي هذه الفتن ألا و هي الفتنة بين الشعب و الجيش. تعالوا نحلل الموضوع ببعض العقلانية، إذا كان المجلس الأعلي متواطئاً مع مبارك و إذا كان هدف المجلس هو إخراج مبارك من كل ما هو فيه الأن من أزمات فلماذا إذاً لم يساعده علي الهروب قبل الوصول إلي هذه المرحلة. بل لماذا أنهي المجلس الأعلي الموضوع في 18 يوم و كان من الممكن أن يتركه يحاول البقاء لمدة شهر أو شهرين أو ثلاثة؟ بل و لماذا رفض المجلس الأعلي بالإجماع تنفيذ الأوامر بقتل المتظاهرين؟ لو كان هناك من إدعي منذ شهور قليلة أن جمال مبارك سيدخل السجن، كنا وصفناه بالجنون و السفه أما الأن و هي حقيقة واقعة فقد نسينا من الذي كان وراء تحقيق كل هذا و إخترنا أن نتبع دعوات الشك و الوقيعة غير مدركين أن المجلس العسكري نفسه يحتاج منا الدعم و المساندة ليستطيع متابعة المشوار و مقاومة الضغوط الخارجية و الداخلية التي نعلم بها جميعاً. تذكروا من الذي أقال أحمد شفيق و كان يمكن البقاء عليه. تذكروا من الذي زج بصفوت الشريف في السجن و هو في قمة غطرسته و غروره و من الذي دفع بفتحي سرور إلي التحقيقات و منها إلي السجن بعد ساعات من أحاديثه المستفزة للفضائيات. تذكروا كيف أتي قرار حبس مبارك الذي هدأ من فزع الشعب بعد حديث مبارك لقناة العربية. من الذي تعامل مع أحداث الفتنة الطائفية و ليس له عهد بها، من الذي حمي الشعب في غياب الشرطة أو في وجودها الهزيل. يبدو أنه بسبب حجم الفساد الذي إكتشفناه أصبح من الصعب علينا أن نصدق أنه تبقي شرفاء في هذا الوطن فأصبحنا نتوجس خيفة من أي مسئول و نشكك فيما يتخذه من قرارات في نفس الوقت الذي نعلم فيه جيداً أن هناك من يحاول بكل جهد إحداث الفتن و الوقائع. عجباً علينا، نطلب من الجيش أن يضرب بيد من حديد علي البلطجية و مثيري الشغب و نلومه إذا فعل. نريد من المجلس الأعلي أن ينقل مبارك إلي السجن و نتخلي عن الضغط في الشارع الذي يعطيه المبرر القوي لمقاومة الضغوط الخارجية. نطلب و نطلب و نطلب ثم نترك كل هذا و نهدد بالزحف لتحرير فلسطين و إقتحام سفارة إسرائيل و الإعتصام في ماسبيرو. فبدلاً من مساندة الجيش نفتح عليه مائة جبهة و نزيد من الضغوط علي كتفيه. نعم كان و مازال المجلس العسكري يحتاج منا الدعم و المساعدة. ألم تستمعوا لكلمة المشير في حفل تخرج دفعة جديدة من ضباط الشرطة حين قال: "إنه لا يحب من يجلس في بيته صامتاً بل يجب علي كل مصري أن يعبر عن رأيه" ؟ ألم تسمعوا وزير العدل و هو يوجه دعوة صريحة للشباب أن يحموا الثورة و مكتسباتها؟ فماذا فعلنا لنحمي الثورة؟ إفترقنا و تعددت أهدافنا و تخلينا عن أعظم جيوش الأرض الذي حمي أعظم ثورات العصر. إذا كان المجلس الأعلي متواطئاً فلم يكن أصلاً ليبدأ مسلسل التحقيقات و المحاكمات و لم يكن لمثل هؤلاء القادة المعرفين بالذكاء و الدهاء العسكري أن تفوت عليهم هذه الفرصة حتي يقعوا في مثل هذا الشرك. ليس دفاعاً عن أحد و لكن من أجل الحق، يجب أن نعلم كيفية إتخاذ القرار في المؤسسة العسكرية قبل أن نتهمهم بالتباطئ أو التواطئ. فإتخاذ القرار في هذه المؤسسة العريقة ليس كمثل إتخاذه في أي مؤسسة أخري من مؤسسات الدولة حيث يمكن تحمل أو تقبل قراراً خاطئاً أو قراراً يجانبه الصواب. فمن شأن قادة الجيش التروي و التأني و الدراسة قبل أن تسبق المشاعر العقول و يُتخذ قراراً سريعاً قد يأتي بما لا تُحمد عقباه لاحقاً. و من ناحية اخري فإن المجلس الأعلي عليه دور كبير و هام في منع الوقيعة بين الجيش و الشعب، و يكون ذلك بمنع الإستخفاف بعقول الناس بمثل ما حدث مع سوزان ثابت و تمثيلية الذبحة و القسطرة ثم الشفاء التام بمجرد الإفراج عنها. إن مثل هذه الأمور لا يمكن أن تمر علي الشعب مرور الكرام بعد الأن. و بالإضافة إلي ذلك علي المجلس الأعلي أن يتخذ القرارات التي من شأنها تحقيق أهداف الثورة بما في ذلك تعجيل المحاكمات العادلة لكل رموز الفساد و علي رأسهم المخلوع و زوجته. أيها القادة العسكريين، نعلم أن حجم الضغوط علي المجلس هائلة و نعلم أن الأمور أكثر تعقيداً مما يتخيله رجل الشارع العادي و نعلم مدي الإحراج الذي قد تفرضه عليكم الظروف و لكننا أيضاً علي يقين و ثقة كاملة في قدرتكم علي إتخاذ القرار الصائب و إن صعُبت حيثياته و تعقدت مجرياته، و كذلك كان عمل الثوار في ميادين مصر كلها، عمل جسام قام به أبطال، فلا يقل العمل المنتظر منكم الأن شأناً عن عمل الثوار الذين ضحوا بحياتهم من أجل مصر. يا شعب مصر العظيم، كما عالجنا الفتنة الطائفية بجمعة مليونية للوحدة الوطنية فلتكن الجمعة القادمة ثورة جديدة ننتصر فيها علي من يُحاول إحداث الوقيعة بيننا و بين الجيش، لتكن ثورة علي فلول النظام و فسادهم، لتكن ثورة لمساندة جيشنا العظيم لتحقيق كل مطالب و مكتسبات ثورة 25 يناير. و بالرغم من كيد الكائدين و حقد الحاقدين ستبقي مصر عظيمة بشعبها و جيشها. عظيمة يا مصر