فلنرتب أفكارنا: 1- فى حياة الرسول كان كل اهتمامه منصبًا على حفظ القرآن وكتابته وجمعه وتعليمه للصحابة، وخشية اختلاطه بكلامه البشرى أمر الصحابة بحرق كل الصحائف التى تحوى كلامه ولا تحتوى على قرآن. 2- بعد وفاته، تم جمع القرآن فى خلافة أبى بكر، وبذلك حُفظ كتاب الله مكتوبًا وفى الصدور. 3- أثناء خلافة عمر، كان شعاره المعروف «حسبنا كتاب الله». وحذر أبا هريرة من الحديث عن النبى، وبالفعل امتثل أبوهريرة. كما ظهر دور عائشة العلمى حيث ردت ما تسمعه من أحاديث إلى كتاب الله فردت ما يخالف القرآن دون تردد، كمثل الزعم رؤية الرسول الله، تالية قوله تعالى (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ). واعتبرت من يقول ذلك قد أعظم الفرية على الله. 4- بدأ تلفيق الأحاديث على نطاق واسع أثناء الملك الأموى والعباسى، حيث تمت فبركة عدد هائل من الأحاديث المنسوبة للرسول، لخدمة أغراض سياسية. 5- وهنا شمّر علماء الحديث عن ساعد الجد لفرز الصحيح من الضعيف من الموضوع. وهذا الفرز إنما هو علم بشرى محض، هم الذين وضعوا قواعد صارمة فى السند والمتن لتصنيف الحديث من حيث درجة علاقته بالرسول. ولا شك أنها قواعد مبهرة تسبق العصر، فقد اشترطوا العدالة والضبط وتسلسل الرواة كشروط للسند. لكن شرطى المتن (غياب الشذوذ والعلة القادحة وعدم مخالفة ما هو أولى) لم يتم تنفيذهما بالدقة التى تم بها تنفيذ شروط السند. 6- لكن بطبيعة الحال، ولأنه عمل بشرى محض، فقد كان البخارى له شروطه التى يحكم بها على صحة الحديث، ومسلم له شروطه، والنسائى له شروطه، وهكذا بدأ الاختلاف على صحة الأحاديث. 7- وجرنا الحكم على شروط السند إلى تكوين علم (الجرح والتعديل) أو (علم الرجال). ففى كل طبقة من الرواة يجب أن تعلم هل كان هذا الراوى تقيا وضابطا أم لا؟ وهل التقى بالتالى له فى سلسلة الرواة أم أنه لم يلتق به؟ وكلها آراء بشرية تختلف من عالم حديث إلى عالم حديث، وإن كان الجهد المبذول يشرف البحث العلمى فعلا ومبهرا فى حد ذاته. 8- وقد حازت شروط البخارى على تقريظ العلماء فى هذا المجال وثقتهم، وإن لم تعدم نقدا علميا مستفيضا من علماء حديث فى جميع العصور، أبرزهم الإمام الدارقطنى، الذى كانت له وجهة نظر علمية متعمقة مختلفة حول بعض أحاديث «صحيح البخارى». ولكن الملاحظ أن أغلبية العلماء ارتضوا شروط البخارى من حيث المبدأ، لكنهم اختلفوا فى التطبيق: هل طبق البخارى شروطه التى وضعها على نفسه تطبيقا جيدا أم خانه التوفيق نادرا كأى مخلوق بشرى؟ (أرجو الاحتفاظ بالمقال لأننى سوف أكمله من حيث انتهى فى مقال قادم). [email protected]
