الله يرحم عمنا «محمد على الكبير».. الذى أعطانا والعالم درساً فى علوم وفنون «النهضة».. النهضة التى افتخر «مهاتير محمد» بأنه استلهم أفكاره فى تحديث ماليزيا من تجربة محمد على فى مصر.. وبدأها هناك بإرسال بعثات للخارج.. وبزراعة 100 مليون شتلة «نخيل زيت»، لتصبح ماليزيا أولى دول العالم فى إنتاج وتصدير «زيت النخيل»، خلال خمس سنوات!! «محمد على».. الذى بدأ، وركز فى «الزراعة».. فجلب «القطن» طويل التيلة.. و«التبغ»، للاكتفاء الذاتى من الدخان.. وأدخل زراعة «أشجار التوت» على حواف الترع والمصارف، لتربية «دودة القز»، لتصدير غزول الحرير!! وقصة «الحرير».. بدأت بالصدفة من 4500 سنة، عندما كانت إحدى «أميرات» الصين تمسك «بشرنقة» غريبة، فوقعت من يدها داخل فنجان شاى ساخن، فتفككت الشرنقة، لتظهر خيوطاً ناعمة جداً ومتينة، سمّوها ب«الحرير»، وأمر والدها بإجراء بحوث حول هذه الشرنقة، وهذه الخيوط المدهشة التى أهدتها الطبيعة لابنته، وعرفوا أنها من إحدى أنواع «الديدان» التى لا تتغذى على أى شىء سوى «أوراق شجر التوت»، ويمكنهم تحقيق ثروة قومية من هذه الصناعة، وحفظوا السر، واهتموا بها فتربعوا على عرشها حتى اليوم، فهم يحتكرون الآن 70% من الإنتاج العالمى، وتليهم الهند، ثم البرازيل!! أتى «محمد على» بديدان القز من الصين، وبتشجيع ودعم منه، بدأت تنتشر تربية «دودة القز» فى معظم محافظات مصر..وحتى نهاية الخمسينيات لم تكن هناك قرية فى مصر لا تشارك فى إنتاج الحرير، وبالإهمال تدهورت الإنتاجية، وانهارت هذه الصناعة، ثم اختفت تماماً على يد بعض المخربين، من أمثال الذين دمَّروا زراعة القطن، ومن سبقوهم فى القضاء على زراعة «التبغ» لنستورد بخمسة مليارات «دخان» سنويا، وعندما فكرنا فى إعادة زراعته، ذهبت الشركة المحتكرة «ماتوسيان» لتزرعه فى إثيوبيا العام الماضى، باعتبار أن زراعته فى مصر حرام، «والحلال» هو استيراده من تركيا وإيطاليا، للحصول على السمسرة والعمولات والسفريات والبدلات باليورو!! اليوم نحن نفتح كل هذه الملفات.. ونبدأ بإحياء «مشروع إنتاج الحرير» فى مصر الحديثة.. مصر التى كانت ملتقى طريق الحرير، وتجارته بين الشرق والغرب منذ ألفى سنة، خاصة أن طقس مصر ممتاز لزراعة أشجار التوت عالية القيمة الغذائية.. ويوجد صنفان اثنان لا ثالث لهما، وموجودان حاليا فى مصر، ويختلفان عن الصنف المصرى الردىء، فهذان الصنفان يمتازان بغزارة إنتاج الأوراق عالية القيمة الغذائية، والأشجار مقزمة لا تحتاج إلى تسلقها والوقوع من فوقها، ويتميزان بنعومة أوراقها عكس أشجار التوت المصرية الخشنة، كما أنها سريعة النمو جداً، ومصدرها الصين والهند، ولدينا خبراء مجربون أمثال المهندس أمين زيد!! الخلاصة: أننا نستطيع اليوم بجهد بسيط، من خلال مراكز البحوث الزراعية- ولدينا قسم لبحوث الحرير معطل- أن ننتج مليوناً وخمسة وعشرة من هذه الأصناف لزراعتها على «مياه المجارى».. نعم نزرعها على مياه الصرف الصحى بكل التجمعات السكنية والمدن الجديدة.. ويمكننا زراعة 700 شتلة فى الفدان الواحد، ولتشجيع الناس على زراعتها بأى أرض ليس لديها مياه نظيفة لزراعة الفاكهة أو الخضروات التى نأكلها، خاصة أن زراعة فدان واحد من أشجار التوت بمياه المجارى يحقق 25 ألف جنيه عائداً سنوياً.. وهو ما لا يمكن تحقيقه فى أى فدان مزروع شيئا آخر سوى التبغ.. «فالتبغ» يحقق حتى سبعين ألف جنيه سنويا ولهذا حديث آخر قادم!! بالمختصر المفيد: مصر تستطيع خلال السنوات الثلاث من الآن أن تصبح أولى دول القارة الأفريقية فى إنتاج «الحرير»، مثلما أصبحت بوركينافاسو الأولى على قارتنا فى إنتاج القطن بعد أن دمرناه.. ويمكننا تصدير «البيض» لتربية ديدان القز، وإنتاج الشرانق، وحل خيوط الحرير، وإقامة صناعة متكاملة تكفى السوق المحلية وكل القارة الأفريقية، من تصنيع الإيشاربات الحريرية، وأغطية الرأس للسيدات، والكرافتات الرجالى، والقمصان وغيرها، وغيرها!! ويمكن لأى «محافظ» لديه إرادة عارمة فى النهضة بمحافظته أن يبدأ التجربة، ونحن جاهزون ومستعدون للتعاون معه.. فهل هناك «محافظ» فى ال25 محافظة قادر على تبنى «هذا المشروع القومى»، الذى يغير وجه أى محافظة، ويخلق مئات الآلاف من فرص العمل، ويحقق دخلاً محترماً، ويساهم فى مضاعفة الناتج القومى؟ أُكرر أن مصر.. مملوءة بالفرص، وحبلى بالمبادرات، ولاتزال دولة بكراً.. وعلينا خلال السنوات التسع وقبل 2020 أن نحقق الحلم،ونصل بمصر إلى العالمية، وكفانا لطماً، وندباً، وبكاء على اللبن المسكوب!! السؤال: هيَّه مصر ناقصة إيه؟! اعتذار واجب إلى أستاذنا د.عبدالعزيز حجازى.. أعتذر عن عدم تلبية دعوتكم للمشاركة فى الحوار الوطنى، لظروف طارئة أجبرتنى على السفر للخارج، وعموما فقد شرحت لكم وجهة نظرى فى مطالب المصريين بالخارج، وكيفية تحقيقها. مع تمنياتى بالتوفيق فى خدمة مصر وكل أبنائها. [email protected]