فى مقال سابق بجريدة «المصرى اليوم»، قمت بتحليل نتائج مؤشر المعرفة العالمى لعام «2018»، الذى أطلقه برنامج الأممالمتحدة الإنمائى فى مجالات التعليم قبل الجامعى والتعليم الفنى والتعليم العالى، حيث كانت النتائج دون المستوى المأمول، نظراً لاحتلال مصر مراكز متأخرة بسلم أولويات التنمية المعرفية وبناء رأس المال البشرى. وقد مثلت نتائج مصر فى منظومة البحث والتطوير والابتكار مستوى متواضعاً أسوة بقطاع التعليم، إذ حصلت مصر على المركز «108» من «134» دولة فى عام «2018»، وبتراجع سبع درجات عن أدائها فى عام «2017»، ذلك بالإضافة إلى احتلالها المرتبة الحادية عشرة على المستوى العربى، بعد معظم دول مجلس التعاون الخليجى ولبنان والأردن والمغرب وتونس. ويرجع هذا الأداء المتواضع أساساً إلى القصور فى تحقيق إنجاز ملموس فى مجال الابتكار بشقيه الإنتاجى والإبداعى المجتمعى، رغم تحسن مؤشرات مصر بشكل عام فى مخرجات البحث العلمى والتطوير. فقد حققت مصر زيادة فى معدلات النشر العلمى بالدوريات العالمية والاستشهاد به من قِبَل الآخرين، إذ احتل مؤشر نصيب الباحث من مستندات النشر العلمى المرتبة «22» عالمياً، ومتغير عدد الباحثين إلى جملة قوة العمل المركز «41» عالمياً، ومؤشر نصيب الباحث من الإنفاق على البحث والتطوير المستوى «49» بين دول العالم، بيد أن نتائج مؤشر المعرفة العالمى تشير إلى تواضع ما توفره مصر من مدخلات وما تحققه من مخرجات فى مجال الابتكار فى الإنتاج، «أى الابتكار الذى يحدث فى قطاعات الإنتاج السلعى والخدمى»، إذ احتلت مصر المركز «124» بين دول العالم. ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل، منها، على سبيل المثال، القصور فى معدلات الإنفاق على البحث والتطوير فى شركات الأعمال، وتدنى عدد الباحثين فى هذه القطاعات. وقد أسهمت فى نفس الوقت المؤشرات الفرعية للابتكار، مثل عائد حقوق الملكية الفكرية، وعدد التصاميم الصناعية، والابتكار فى مجال خدمات التنظيم والتسويق، فى الوصول إلى هذا الأداء الأقل من المتوسط فى مجال الابتكار فى القطاعات الإنتاجية. وتبين النتائج، من ناحية أخرى، أن مؤشرات الابتكار المجتمعى جاءت أفضل نسبياً من الابتكار فى الإنتاج، «احتلت مصر المرتبة 103 عالمياً»، فقد حققت مصر- على سبيل المثال- المرتبة «28» عالمياً فى مجال الإنفاق على برمجيات الكمبيوتر، بيد أن تواضع مؤشرات إنتاج العلامات التجارية، وعدد الأفلام الروائية الوطنية، ونصيب قطاع الطباعة والنشر فى الناتج المحلى الإجمالى- كمتغيرات دالة على مخرجات الابتكار المجتمعى- قد أسهم فى حصول مصر على مرتبة متأخرة فى هذا المجال. وتفيد نتائج دليل الابتكار العالمى لعام «2018»- الذى تصدره المنظمة الدولية للملكية الفكرية بالتعاون مع جامعة كورنيل- أن مصر قد احتلت المرتبة «95» من بين «126» دولة. ورغم تحسن الأداء نسبياً على المستوى الكلى بالمقارنة بعام «2017»، مازال عدد من مؤشرات الابتكار الرئيسية، مثل نسبة العمالة فى الصناعات كثيفة المعرفة، ومعدلات نشر المعرفة واستخدامها، وحجم الاستثمار فى الأصول غير الملموسة، ومخرجات الإبداع الإلكترونى، تحتل مرتبة بعد المائة على مستوى دول العالم. نخلص مما سبق إلى أن نتائج مؤشر المعرفة العالمى، ومخرجات دليل الابتكار العلمى، تفيد بأن أداء مصر لا يزال دون المستوى المأمول فى مجال البحث والتطوير والابتكار. ورغم تحسن أداء البحث العلمى فإن الأمر يتطلب تكثيف الجهود من أجل زيادة الاستثمار فى بنيته التحتية، ودعم رأسماله البشرى، وتطوير أداء المراكز البحثية من أجل التحول إلى إنتاج الابتكار ودعم ريادة الأعمال. كما يجب أن توجه مصر اهتماماً خاصاً بإنشاء مراكز للبحث والتطوير بالقطاعات الإنتاجية ودعمها بشرياً ومالياً، وتوفير سبل التعاون الفعال بين المؤسسات المنتجة للبحث والتطوير وقطاعات الإنتاج السلعى والخدمى. ذلك إلى جانب تبنى سياسات رامية إلى تحول مصر إلى اقتصاد معرفى قائم على صناعات ذات قيمة مضافة عالية، وعمالة معرفية مكتسبة لمهارات متنوعة وجدارات متعمقة، والاستثمار فى أصول غير ملموسة، والتوسع فى إنتاج سلع وخدمات إبداعية وثقافية، والزيادة فى معدلات إنتاج براءات الاختراع والعلامات التجارية، من أجل تحقيق الابتكار، ومن ثَمَّ تأكيد رؤية تلازمية المعرفة والتنمية. وهو أمر من المتوقع أن يلقى اهتماماً بالغاً من مُتَّخِذ القرار العلمى والتكنولوچى المصرى، ومراجعة نقدية للاستراتيچية الوطنية للابتكار بوجه عام. * وزير التعليم العالى والبحث العلمى الأسبق
