يبدأ بداية هادئة من منتصف شارع المبتديان، على ناصية مستشفى المنيرة تنحرف يمينا إذا كنت قادما من السيدة زينب، مدخل متواضع يبدأ من حيث يغوص مترو الأنفاق تحت الأرض متجها إلى محطة «سعد زغلول»، تواضع المدخل لا ينبئ بأنك ستمشى طويلا حتى تصل إلى نهاية شارع منصور. إذا كان المثل يقول «يا بخت من كان النقيب خاله»، وإذا كان فى غنوة مسرحية ريا وسكينة تفتخر الأختان بأنهما «ناسبنا الحكومة»، فإن منصور، أو منصور باشا يكن، قد ناسب الخديو إسماعيل شخصيا، متزوجا من ابنته توحيدة التى أنجبها من الأميرة شهرت فزا هانم. أسماء ملكية «تخضّ»، وثراء مالى هائل كان يميز منصور باشا الذى ينتمى إلى عائلة الخديو بصلة قرابة من ناحية الأم، وقصور فخمة هائلة بناها هنا- بين المنيرة وباب اللوق- وهناك إلى الجنوب عند حمامات حلوان، قصور لم يبق منها سوى المبانى الحكومية والوزارات التى حلت محلها بين شارعى منصور وقصر العينى، وبالطبع تبقى اسم نسيب الخديو على لافتة الشارع «شارع منصور» وإن كان قلة فحسب من سكان اليوم يعرفون منصور يكن. غير أنك حتى إن لم تعرف منصور باشا، أو حتى لو لم تعرف اسم الشارع نفسه، لابد أنك مررت يوما من هناك أيا كان عملك أو حيثيتك، فهنا مصلحة الضرائب، والباب الخلفى لوزارة الداخلية حيث استخراج «الفيش والتشبيه»، هنا متحف الجامعة الأمريكية، وضريح سعد زغلول، والمبنى الإدارى للإذاعة، هنا مشفى المنيرة العام، ونقطة الشرطة الملاصقة لها، وهنا أيضا سنترال باب اللوق، وفى مدخل الشارع من ناحية باب اللوق، باعة الفاكهة يستقبلونك كأنما يمهدون لك دخولك سوق باب اللوق الكبير المختبئ بين الممرات، هنا أكشاك الورد وصنّاع المفاتيح والأقفال، ومطعم المكرونة بالكبدة الشهير، وهنا بالطبع، المقاهى التى لا تنام، ومنها، أحد أقدمها على الإطلاق، مقهى الطباخين، الممتد إلى عصر الخديو والسراى، حيث كان الطباخون يقضون وقت فراغهم- بين الوجبات أو الحفلات- وفى هذا المقهى، والعهدة على كتاب «مقتنيات وسط البلد» للروائى مكاوى سعيد، تم تخصيص أول جهاز تليفون فى مقهى، كى تستطيع السرايات استدعاء طباخيها من على مقهاهم المفضل، فى شارع منصور.
