تجد ميتسوبيشى نفسها في الوقت الحالى في مأزق تحتاج فيه إلى منقذ يعبر بها إلى بر الأمان، بعد أن تعرضت الشركة لواحدة من أكبر الفضائح في قطاع السيارات هذا العام، فقد بدأت مشكلة ميتسوبيشى في التفاقم خلال شهر أبريل عندما قامت نيسان باختبار معدلات استهلاك الوقود في سياراتها الصغيرة الخاصة بالسوق اليابانية Dayz والتى توردها لها شركة ميتسوبيشى موتورز، واكتشفت نيسان أن نسبة استهلاك الوقود التي تدعيها ميتسوبيشى لتلك السيارات ليست دقيقة وبناء على ذلك طالبت ميتسوبيشى بفتح تحقيق. بحلول نهاية شهر أبريل الماضى كانت ميتسوبيشى قد اعترفت رسميا أنها تلاعبت بالفعل وعن عمد في بيانات استهلاك الوقود في تلك السيارات، وأن الاختبارات التي خضعت لها لم تكن مطابقة للمواصفات القياسية اليابانية. ولكن كيف استطاعت ميتسوبيشى التلاعب في تلك النتائج؟ اختبارات استهلاك الوقود في اليابان تتم في بيئة معملية ولفترات محددة، وتتم عن طريق وضع السيارة على جهاز يعرف باسم Dynamometer ومن ثم يتم توصيل أنبوب قياس إلى فتحة إخراج العادم وتشغيل السيارة، بينما يقوم الجهاز بحساب كمية العوادم التي تخرج من السيارة وبالتالى يستطيع حساب كمية الوقود التي احترقت. لكى يتم الاختبار بشكل صحيح يجب أن تمر السيارة بالعديد من المتغيرات مثل تغيير درجة الحرارة والسرعة وضغط العجلات وعوامل الرياح. لا تكتفى الشركات بالاختبارات المعملية، ولكنها عادة تقوم بإعادة اختبار السيارات في بيئاتها الحقيقة، وعلى الطرق للتأكد من أن المعدلات التي تعلن عنها أكثر دقة، وذلك بالتحديد ما فعلته نيسان بالسيارات التي تسلمتها من ميتسوبيشى. ما كان من شأنه أن تفتح ميتسوبيشى تحقيقا داخليا لمعرفة جذور المشكلة، لتكتشف الشركة أن التلاعب تم خلال الاختبارات المعملية عن طريق زيادة ضغط العجلات بالشكل الذي يسمح لها بحرق وقود أقل، فزيادة ضغط الهواء داخل الإطارات يولد مقاومة أقل وبالتالى مجهودا أقل واحتراق أقل للوقود، مثال أبسط لذلك هو قيادة الدراجة الهوائية على مرتفع، كلما ارتفع ضغط الهواء في الإطارات كلما كانت مقاومة البدالات أقل وبالتالى يبذل الدراج مجهود أقل فلا يستهلك الكثير من طاقته، تلك الطاقة مثلها مثل الوقود في السيارات. بعد أسابيع قليلة وتحديدا في الأربعاء الموافق 18 أبريل انحنى رئيس ميتسوبيشى موتورز Tetsuro Aikawa معتذرا، قبل أن يقدم اعتذارا رسميا للعالم بأجمعه خلال مؤتمرا صحفيا عقدته الشركة لتعترف باقترافها ذلك الذنب. عندها قال: «الفعل الخاطئ كان متعمدا، ومن الواضح أن التزوير تم لتحسين شكل الاستهلاك، ولكن السبب وراء اللجوء للغش غير واضحا». تأثرت بيانات ما يقرب من 620 ألف سيارة بتلك الاختبارات الخاطئة من ضمنها طرازى ek Wagon وeK Space، ومن ضمنها أيضا ما يقرب من 470 ألف سيارة صنعتها ميتسوبيشى لنيسان تحمل اسمى Dayz وDayz Roox، وكان من شأن الاختبارات أن تبالغ في معدل استهلاك الوقود بنسبة تتراوح بين 5 إلى 10٪ من المعدلات الحقيقية. جميع تلك السيارات تحمل محركات من فئة 660 سى سى والتى كانت قد لاقت نجاحا كبيرا في السوق اليابانية ولكن لم يتم بيعها خارج اليابان. وعلى مدار الأيام اللاحقة أصدرت مجموعة من فروع ميتسوبيشى حول العالم بيانات للابتعاد بنفسها عن الأزمة، مؤكدة أن تلك السيارات لا يتم بيعها سوى في اليابان فقط، في الوقت الذي أصدرت الشركة الأم في اليابان بيانا تقول فيه أنها تعمل على التحقق من أن تلك المشكلة لم تؤثر على أية سيارات أخرى في الأسواق العالمية. في اليوم ذاته، تسبب الخطاب في هبوط حاد لأسهم ميتسوبيشى في بورصة طوكيو، انخفضت لأكثر من 15٪ وكانت تلك هي أكبر خسارة شهدتها الشركة في البورصة في يوم واحد منذ 12 عاما، وتوالى الانخفاض لأيام، وتسبب في خسارة الشركة ل مليار و200 مليون دولارا من قيمة علامتها التجارية، وهى القيمة التي تنعكس على أسعار أسهم الشركة، وبالتالى سعر الشركة نفسها إذا ما تم بيع جزء منها أو بيعها كلها. وتناولت الصحف العالمية الفضيحة وبيان رئيس الشركة وأصبحت سمعة الشركة مهددة بالفعل. الأمر الذي يبدو وأنه تضاعف في ظل فضيحة انبعاثات فولكس ڤاجن العام الماضى، وهذا ما أكده مركز بحوث Tokai في طوكيو الذي قال أحد المحللين به أن المشكلة نفسها مختلفة عن مشكلة فولكس ڤاجن ولكن السوق أصبح أكثر «حساسية» تجاه مثل هذا النوع من الأخبار، مما قد يكون من شأنه التأثير بنفس الشكل على الشركة من حيث المبيعات وتضرر السمعة، الشىء الآخر الذي سيكون على ميتسوبيشى أن تفعله هو رد الأموال للحكومة اليابانية، فشركات مثل ميتسوبيشى تحصل على إعفاء ضريبى كلما انخفضت معدلات استهلاك الوقود، وفى تلك الحالة حصلت ميتسوبيشى بالفعل على الإعفاء لتلك السيارات والآن سيتوجب عليها أن تقوم بدفع كافة الضرائب المتأخرة التي لم تكن من حقها من البداية. وهنا يأتى دور نيسان التي يبدو وأن الفرصة الذهبية تقدمت لها على طبق من فضة، الخميس الماضى12 مايو أصدرت نيسان بياناً تؤكد فيه أنها مستعدة لدعم ميتسوبيشى من خلال استثمار ما يعادل 2،2 مليار دولار أمريكى في الشركة مقابل الحصول على 34٪ من أسهمها. وبعد أن كانت خسارة ميتسوبيشى قد وصلت في البورصة منذ خطاب الرئيس وحتى 12 مايو إلى 43٪، قفزت بعد بيان نيسان 16٪ في يوم واحد، بالنسبة لنيسان تلك خطوة مضمونة لا تتضمن أية مخاطرات لأن ميتسوبيشى ليست في موقع يسمح لها بأية مفاوضات، باستثناء مخاطرة واحدة وهى أن تكون الأزمة أوسع من ال 620 ألف سيارة التي تأكدت الشركة بالفعل من عيوبها. نيسان بالطبع لم تترك نفسها دون حماية، ضمن شروط التعاقد شرطا بعدم إكمال الاتفاق إلا بعد تشكيل لجنة خاصة تقوم بالتحقيق في القضية للتأكد من أن حجم الضرر المادى لن يتوسع، وفى حال أثبتت اللجنة أن الضرر أوسع من ادعاءات ميتسوبيشى سيكون من حق نيسان إلغاء أو تعديل شروط الاتفاق قبل أن يأخذ حيز التنفيذ رسميا بحلول نهاية العام. وفى تلك الحالة ستطلب نيسان من ميتسوبيشى دفع جميع المستحقات المالية والغرامات الضريبية التي تسببت فيها تلك البيانات الخاطئة. أما إذا سار كل شىء طبقا لخطة نيسان، ستحصل على حق التحكم في ميتسوبيشى، وبالتالى ترشيح رئيسها وفرض استراتيجياتها على الشركة. جزء من ذلك التحالف سيشمل التكنولوجيا الجديدة والتى تستثمر كل من الشركتين فيها بكثافة، وهو مجال يمتص الكثير من رؤوس الأموال مما يعنى أن الخطوة الأكثر ذكاء ستكون دمج مراكز البحث والتطوير في الشركتين معا، كما أن غزوات نيسان في مجال السيارات الكهربائية بقيادة Leaf سيمكن أن تقوم بتعزيزها واحدة من أكثر السيارات الهجينة مبيعا في اليابان وهى ميتسوبيشى Outlander PHEV. سوف يكون بمقدور الشركتان تحت المظلة الجديدة دمج قوتهما في أسواق جنوب شرق أسيا، كل من نيسان وميتسوبيشى تبيعان سياراتهما في نفس الأسواق في تلك المنطقة، ويمتلكان حصص متقاربة من السوق، وهو ما يعنى أنهما قد يتوقفان عن المنافسة ويبدأن في الاستفادة من قنوات توزيع بعضهما البعض. وتعد سوق جنوب شرق أسيا هي أكبر سوق مستقلة لميتسوبيشى حول العالم، وإلى جانب الهند ستكون واحدة من أكبر الأسواق التي ستستهدف شركات السيارات اختراقها خلال العقد القادم، وأيا كانت العقبات القليلة الحالية وقصيرة المدى فمن المنطقى أن تقوم نيسان بالاستثمار الأن لتستفيد من العائد على المدى الطويل. الأهم من ذلك هو اختيار الأسواق الرابحة، فسوق آسيا والتى تضمن شمال أسيا أيضا، تسيطر على 16٪ من هامش أرباح ميتسوبيشى، وقد يظن البعض أن نسيان ستهتم أكثر بالأسواق الأمريكية ولكن بالمقارنة مع آسيا هامش أرباح ميتسوبيشى في سوق شمال أمريكا هو 2٪ فقط، إذا ما قارنا ذلك بهامش أرباح الشركة حول العالم في نهاية العام المالى الماضى البالغ نسبته 6,5٪ سنجد أن اختيار السوق الآسيوية لبداية التحالف بين نيسان وميتسوبيشى سيكون منطقيا أكثر. ستضمن نيسان بالتحكم في ميتسوبيشى في اليابان تحديدا تفوقها على منافستها تويوتا في سوق السيارات الصغيرة، وخاصة سيارات دايهاتسو من خلال الاعتماد على ميتسوبيشى في توفير تلك السيارات لها مجددا. وبذلك يمكن القول إن نيسان التي تبدو وكأنها تنقذ ميتسوبيشى ستكون صاحبة المصلحة الوحيدة وأول من سوف يستفيد من تلك الأزمة. ليست المرة الأولى التي تعانى منها ميتسوبيشى من فضيحة مسيئة للسمعة، فعلى مدار السنوات العشرة الماضية كانت الشركة تسعى لاستعادة سمعتها بعد أن حاولت تغطية الكثير المشكلات الخاصة بسياراتها مثل الفرامل التي لا تعمل والمقابض غير الصالحة وخزانات الوقود التي كانت تسقط من السيارات دون سبب، وفى بعض الأسواق أيضا انفصال العجلات عن المحاور. ولكنها المرة الأولى التي تقوم فيها ميتسوبيشى بالغش في معدلات استهلاك الوقود.