على مدار الأسبوع فى وسط البلد، وفى أوقات مختلفة، بإمكانك أن تستمع إلى دقات أجراس قادمة من بعيد.. من بعيد هنا لا تعنى المسافة المكانية، فقد تكون قرب الجرس الصادح بأمتار قليلة، لكنك مع ذلك تشعر أن الصوت يأتى من زمن ما مختلف، ومكان آخر. ذلك هو الملمح الأساسى للكنائس الواقعة بوسط البلد، من جاردن سيتى وصولا إلى غمرة، مرورا بالإسعاف وبولاق أبوالعلا ورمسيس والعتبة، وما بينها جميعا من ميادين وشوارع. فى كل مربع تقريبا كنيسة.. كبيرة أو صغيرة، أرثوذكسية، كاثوليكية، إنجيلية، تتبع الكلدان أو الأرمن أو السريان.. إلخ. تنوع مدهش فى العمارة والطابع والشكل والتاريخ، وعدد لن تجده فى أى منطقة أخرى فى مصر وربما فى مصر كلها، فبعض الأحياء السكنية شاسعة المساحة ليس بها- على عكس وسط البلد- كنائس، وأغلبها تخدمه كنيسة واحدة، أو عدد قليل لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، لذا فإن كنائس وسط البلد هى فى الواقع كنائس كل أحياء القاهرة، قربت أو بعدت من المنطقة، ويفد إليها المصلون من أماكن مختلفة، فكنائس وسط البلد هى كنائس من لا كنائس له. بالإضافة إلى ذلك فإن عائلات مسيحية كثيرة جدا، تختار كنائس القاهرة الخديوية للاحتفال بمراسم الخطوبة والزفاف، وإقامة العزاءات أيضا. أغلب كنائس وسط البلد شيدها الأجانب الذين عاشوا فى القاهرة الخديوية بداية القرن العشرين، والأجانب هنا تعود على المهندسين الذين صمموا وأقاموا المبنى، أو الجالية التى تخدمها الكنيسة، فهناك كنائس للجالية الفرنسية وأخرى لليونانيين وثالثة للإيطاليين وهكذا، ولذلك فإن بعض المبانى الكنسية يشعر معها زائر وسط البلد وكأنه فى عاصمة أوروبية، ولهذا أيضا فإن عددا كبيرا من الكنائس فى المنطقة مسجلة ضمن سجل التراث المعمارى الذى يضم المبانى ذات الطابع المعمارى المتميز المحظور هدمها أو تغيير طابعها من الخارج والداخل. فى هذا العدد وعلى مدار أكثر من حلقة، نقدم ملفا شاملا لكنائس القاهرة الخديوية.. تاريخها، وحكايات بنائها، ولقاءات مع الخُدام، وجولات داخلها.
