هل يوجد نظام سياسى فى مصر؟ من حيث الشكل: ربما، أما من حيث المضمون: فبالقطع لا. ففى مصر دستور، ورئيس للدولة، ورئيس للوزراء، وبرلمان، ومؤسسة قضائية، وأحزاب سياسية، ومنظمات مجتمع مدنى.. إلخ، لكنها هيئات لا تشكل فى مجملها نظاما بالمعنى الدقيق، فلكى تكون كذلك، عليها أن تتحول إلى مؤسسات تتمتع بالكفاءة وتعمل وفق قواعد تستهدف تحقيق الصالح العام، وهو أمر لا وجود له. فليس فى مصر مؤسسات وإنما شخص واحد مهيمن وقادر على فعل أى شىء فى أى وقت يراه. فهو يملك سلطات تمكنه من عزل رئيس الوزراء والوزراء، وحل البرلمان، وتجاوز القضاء الطبيعى (بإحالة من يريد إلى محاكم استثنائية)، ومنح الحياة أو منعها عن الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدنى.. ومعنى ذلك أن مصر السياسية ليس بها سوى مؤسسة واحدة حقيقية هى مؤسسة الرئاسة، أما بقية المؤسسات فمجرد أشكال ورقية. ولنأخذ المؤسسة الحزبية كمثال، باعتبارها عماد أى نظام تعددى، ولنتأمل صورتها الحقيقية. فى مصر أحزاب كثيرة، وصل عددها الآن إلى 24 حزبا، يفترض أنها تسعى جميعا للوصول إلى السلطة بطريق الانتخاب، لكن حزبا واحدا فقط ليس مصادفة أن يتزعمه رئيس الدولة، هو الذى يفوز دائما فى كل الانتخابات، فمنذ إنشاء هذا الحزب عام 78 جرت سبع انتخابات لمجلس الشعب أعوام: 79، 84، 87، 90، 95، 2000، 2005 فاز فيها جميعا بأغلبية لم تقل أبدا عن 75% من إجمالى مقاعد مجلس الشعب، وصلت أحيانا إلى 90%، أما الأحزب الأخرى فلاتزال أغلبيتها الساحقة خارج البرلمان، والكثير لا يخوض الانتخابات أصلا بسبب نقص المرشحين! ولنأخذ البرلمان الحالى مثالاً: فأربعة أحزاب فقط حصلت على مقاعد لا يتجاوز مجموعها 11 مقعدا، من إجمالى 444، بينما حصلت «جماعة محظورة» على 88 مقعدا، وحصل المستقلون على 34 مقعدا.. فهل هذه خريطة لنظام حزبى طبيعى؟ ومع ذلك فمن يقرأ الدستور، خاصة المادة 76، يتولد لديه انطباع بأن الأحزاب أصبحت قوية إلى درجة تؤهلها لتكون محور الحياة السياسية وعمادها، بدليل اشتراط أن يكون مرشح الرئاسة عضوا فى الهيئة العليا لحزب مضى على تأسيسه خمس سنوات على الأقل! فإذا لم يكن بوسع الأغلبية الساحقة من الأحزاب المصرح لها أن تعثر على مرشحين للبرلمان، فمن أين لها أن تحصل على مرشحين للرئاسة؟! الأرجح أن «النظام» لم يطرح على نفسه هذا السؤال وليس معنيا بطرحه فى الأساس، لأنه اعتاد أن يدير الدولة بنفس الطريقة التى يدير بها مجالسه المحلية، فَمْنحُ أحزاب عاطلة لا يحس بها أحد حق «إصدار رخص الترشيح للرئاسة» يضفى عليها أهمية لم تكن تحلم بها، ومن المتوقع أن يكون عليها طلب كبير ينعشها فى المرحلة المقبلة. لكن ماذا لو أراد أحد من «المحظورة» شراء هذه الرخصة؟.. الأرجح أنه يستطيع.