«قناة السويس هي نبض مصر، والقلب النابض في النظام العالمي، وهي مركز النقل الأول في أوروبا»، كلمات ذكرها الكاتب الراحل، جمال حمدان، في كتابه «قناة السويس نبض مصر»، عام 1975، وعقب مرور 40 عامًا بعثّ الرئيس عبدالفتاح السيسي، من طيات النسيان، كلمات «حمدان»، في افتتاح قناة السويس الجديدة، 6 أغسطس 2015، قائلًا: «لنا أن نطمئن رغم كل التحديات والعقبات أن مستقبل قناة السويس وثيق كما هو مضمون، بل ومشرق أكثر مما كان في أي وقت مضى فقط بشرط أن نقبل بالتحدي، وها هي نبوءة جمال حمدان تتحقق». ليعيد السيسي إلى ذاكرة المصريين، أحد الكتاب الذين أثروا في الحياة المصرية، في الماضي، والذي عبرّ عن تطلعاته للمستقبل، من خلال أطروحاته، وكتبه، وكان أحدهم «قناة السويس نبض مصر»، والذي أشاد فيها «حمدان» بالقناة، وعبّر في عن تطلعه في أن تصبح منارة العالم، وتتوسع، وبعد مرور 40 عامًا، تحقق الحلم في عهد السيسي. جمال حمدان ولد 4 فبراير 1928م، أحد أعلام الجغرافيا المصريين، اسمه بالكامل جمال محمود صالح حمدان، ولد في قرية ناي بمحافظة القليوبية، ونشأ في أسرة تنحدر من قبيلة «بني حمدان» العربية التي نزحت إلى مصر في أثناء الفتح الإسلامي. بعد الابتدائية التحق جمال حمدان بالمدرسة «التوفيقية الثانوية»، وحصل على شهادة الثقافة عام 1362ه 1943م، ثم حصل على التوجيهية الثانوية عام 1363ه 1944م، وكان ترتيبه السادس على القطر المصري، ثم التحق بكلية الآداب قسم الجغرافيا، وكان طالبا متفوقا ومتميزا خلال مرحلة الدراسة في الجامعة، حيث كان منكبا على البحث والدراسة، متفرغا للعلم والتحصيل. وفي عام 1367ه 1948م تخرج في كليته، وتم تعيينه معيدا بها، ثم أوفدته الجامعة في بعثة إلى بريطانيا سنة 1368ه 1949م، حصل خلالها على الدكتوراه في فلسفة الجغرافيا من جامعة «ريدنج» عام 1372 ه 1953م، وكان موضوع رسالته: «سكان وسط الدلتا قديما وحديثا»، ولم تترجم رسالته تلك حتى وفاته. وبعد عودته من بعثته انضم إلى هيئة التدريس بقسم الجغرافيا في كلية الآداب جامعة القاهرة، ثم رُقّي أستاذا مساعدا، وأصدر في فترة تواجده بالجامعة كتبه الثلاثة الأولى وهي: «جغرافيا المدن»، و«المظاهر الجغرافية لمجموعة مدينة الخرطوم» (المدينة المثلثة)، و«دراسات عن العالم العربي» وحصل بهذه الكتب على جائزة الدولة التشجيعية سنة 1379ه 1959م، ولفتت إليه أنظار الحركة الثقافية عامة، وفي الوقت نفسه أكسبته غيرة بعض زملائه وأساتذته داخل الجامعة وفي عام 1383ه 1963م تقدّم باستقالته من الجامعة، احتجاجا على تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ، وتفرغ للبحث والتأليف حتى وفاته، وكانت فترة التفرغ هذه هي البوتقة التي أفرزت التفاعلات العلمية والفكرية والنفسية لجمال حمدان وترك جمال حمدان 29 كتابا و79 بحثا ومقالة، يأتي في مقدمتها كتاب «شخصية مصر.. دراسة في عبقرية المكان»، وكان قد أصدر الصياغة الأولى له سنة 1387ه 1967م في نحو 300 صفحة من القطع الصغير، ثم تفرغ لإنجاز صياغته النهائية لمدة عشر سنوات، حتى صدر مكتملا في أربعة مجلدات خلال السنوات بين 1401ه 1981م: 1404ه 1984م. عُرضت عليه كثير من المناصب التي يلهث وراءها كثير من الزعامات، وكان يقابل هذه العروض بالاعتذار، مُؤْثِرًا تفرغه في صومعة البحث العلمي، فعلى سبيل المثال تم ترشيحه عام 1403ه 1983م لتمثيل مصر في إحدى اللجان الهامة بالأمم المتحدة، ولكنه اعتذر عن ذلك، رغم المحاولات المتكررة لإثنائه عن الاعتذار. وذكر الكاتب حمادة إمام، في كتابه «الموساد اغتيال زعماء وعلماء»، عن احتمالية اغتيال «حمدان» على يد الموساد الإسرائيلي، بسبب كتاباته عن فضح أكاذيب اليهود هو كتاب «اليهود أنثروبولوجيا» الصادر في عام 1967. ويعد «حمدان»، بحسب «إمام»، من أشهر المفكرين في قائمة اغتيالات الموساد الإسرائيلي حيث فجر رئيس المخابرات الأسبق أمين هويدي مفاجأة من العيار الثقيل، حول الكيفية التي مات بها جمال حمدان، وأكد «هويدي» أن لديه ما يثبت أن الموساد الإسرائيلي هو الذي قتل «حمدان». و في17 أبريل 1993م، عثر على جثته والنصف الأسفل منها محروقاً، واعتقد الجميع أن د. حمدان مات متأثراً بالحروق، ولكن يوسف الجندي، مفتش الصحة بالجيزة وقتها، أثبت في تقريره أن الفقيد لم يمت مختنقاً بالغاز.