أظُنّها ستأتي مرةً أخرى مواسمُ الحريق سأنفذُ اغتيالاتٍ حبستها في الهتاف وغارقًا فى المُخدّر سأكتبُ ألفَ بيانٍ يحرّضُ على العنف وطني ليس مرفّهًا يعتادُ الذهابَ للمسارح وطني عجوزٌ وفقير يتسوّلُ العطايا علانيةً وفي كفيه طبقاتٌ من رمادِ العصور. ... هل تجرؤون على النظر بقوةٍ في عينيّ أيّهُا المرعوبونَ من العدم؟ إنني أسمعكم بوضوح يقولُ كلٌّ منكم للآخر: انتبه ثمة موتٌ يسيرُ في الشوارع فيما أمضي بينكم عاريًا وألوّحُ من بعيدٍ لروحي. ... هكذا أرتوي بالموت لأنه يسيرُ في عكسِ اتجاهكم هكذا خفيفًا أثيريًّا لا ألتفتُ إلى البائسين الذين أثقلتهم أرواحُهم بالهزائم فكن حميميًّا معي ولا تتخلَّ عني أيُّها الموت ثمةَ مقبرةٌ جماعيةٌ في داخلي ثمةَ أطفالٌ سيأتون فأنا مليءٌ بطفولةٍ لا حدودَ لها لا تبتعد. ... نلتقي في ثورة قادمة أيّتُها المدرعّاتُ الحميمية فأنا في يومٍ من الأيام مرهقًا من الركضِ والهتاف تركتُ ذاكرتي بإحدى النواصي وعندما سنتواجهُ أنا وأنتِ من جديد في لعبةِ السحقِ والسيادة التشويهِ والقتلِ والجنونِ والتآمر سأستردُّ أيامي وأحاكمُ العالم على كلِّ نقطةِ دمٍ خَسِرتُها ولو مصادفةً. ... دونَ ذاكرةٍ أو ألم تواصلينَ تأمُّلَ الشوارع ولا تملكينَ يقينًا واحدًا سوى أن العالمَ بدائيٌ جدًا على مَتْنكِ الصُلبِ جنودٌ يائسون يتصايحونَ لإزجاءِ الكوابيس ويلوّحونَ ب"ممنوعِ المرور" الضحايا يسافرون كفراشاتٍ سابحةٍ في الضَوْء الأعينُ المفقوءةُ هي التي ترى المدينةُ اعتادت مشهدَ الدروعِ مسنودةً إلى الحوائط وأنت ِتؤكدين عدالةً لا أفهمُها. ... أيّتُها الوحيدةُ الواقعيةُ في هذا العالم إنني أحملُ آلافًا من المشاعر لمن قتلوني لمن على صدورِهم علّقتُ أحذيتي كالنّياشين لمن أرسلوكِ لكي أحدثَكِ الآن ميّتًا على الناصيةِ المضيئة رأسي باتجاهِ المدفع وكوفيّتي فوق كتفي. ... وأنا وحيدُ المعركة تركتُ الرفاقَ يحسِبون الخسائر وجئتُ لا لكي أودعَك ولكن لأني أصدّقُ الدماء أريدُ أن أُجرحَ من جديد أن أصافحَ كلَّ يومٍ شهيدًا على الأقل أن أضعَ الأفكارَ رهينةً وأفتحَ النوافذَ بثقةِ العائدينَ إلى الحياة. ... لن تموتي أبدًا ستظلين هنا سنواتٍ طويلةً قادمة وعندما يصدرون لكِ الأمر بالانسحاب سأهتفُ طويلاً في وداعِك بيننا صداقةٌ عارمةٌ يعزّزُها القتال لذا سأبوحُ بأفكاري إليكِ: يومًا ما ستعودينَ إلى معسكراتِ الجنود عندَ أطرافِ الصحارى ويأكلُ الصدأُ ذكرياتِ الشوارع والكتابةَ على جانبيْكِ ستصيرينَ عجوزًا من الأمطارِ والوحدة بعيدًا تحتَ الشمس تُكلّمينَ الرياحَ والبَطَالَة القططَ البريةَ والحياتِ والثعالب ولن تموتي هنا وطنُ الأحلامِ الدائمة والمطالبِ الدائمة والمعاركِ الدائمة والهتافاتِ التي لا تنتهي. *** من ديوان «يارا»، يصدر قريبًا للشاعر محمد رياض.
