احد وجوه النظام الفاشي، يعرّفها الفيلسوف الاسباني خوسيه أورتيجا جاسيت، في كتابه "عن الفاشية" بأنها "تحتوي على أكثر المضامين تضاداً، تقدم نفسها باعتبارها صورة للدولة القوية، بينما تستخدم أكثر الوسائل قدرة علي تفكيكها”. كيف يستطيع النظام الفاشي هدم الدولة؟، كيف يستطيع جيش المخلصين المتحمسين الهاتفين "تحيا الوطن" هدمه؟ كيف يستطيع من يحمل لواء المؤسسات ويتنفس هيبة الدولة ويُخرج للوطن حُبا وحماسا ولهيبا، أن يهدم، بوعي كامل او حتى دون وعي، هذه الدولة؟ أهلاً بك فى مصر. مقالات متعلقة * لماذا تكتب كُل الصحف نفس المانشيت كُل يوم؟ يومياً، تقضم السلطة التنفيذية من سلطات القضاء، تصرخ في وجهها وتطالبها بأحكام أشد وأقسى. و مدفوعة بحماس الجمهور، تستسلم السلطة القضائية، تُرشح قوانيناً للتغيير وتفرغ محاكماً من معانيها. العدالة القضائية، التي يُرمز لها عادة ب”سيدة محجوبة البصر تحمل ميزانا” لأن عليها ألا تحكم بمشاعر والا تميز بين مواطنين، باتت قادرة على الحكم بمكيالين وثلاثة وأربعة. تكره متهميها وتصرخ بذلك للإعلام، تجلس على منصة العدالة لتثأر بدلا من أن تستشعر الحرج. تُصاغ القوانين والآليات من جديد، من وحي لحظة وتحت ضغط شعبي وحكومي، لتثأر الدولة بيد صُنعت لتعدل، والفرق كبير. بعد قليل، لن يُصبح للعدالة معنى، سيثأر الجمهور لموتاه في الشارع، على قارعة الطريق، ووقتها ستفقد الدولة أحد أهم مقوماتها، إقامة العدل. يوميا، يٌربي النظام الحاكم وحشا جماهيريا متحمسا، يُلهب مشاعره ويدغدغها. يعلفونه أكاذيب، ويقدمون له القرابين، يخرّبون عقله ومنطقه ومعاييره، وينطلقون في الكذب والكذب والكذب. يطاردون كُل من يفكر مختلفا، كُل من يهمس معترضا، فلا يبقى فيها إلا صوت واحد، جهوري، غبي، مهووس، يهتف للوطن نشيداً حماسياً، بينما تغرق السفينة. ويغرق معها دستورا، تنص مادته الخامسة على التعددية الحزبية والسياسية، بينما يُغتال معنويا كُل يوم أي معارض. وتنص مادته التاسعة على تكافؤ الفرص بين المواطنين فيما تورث المهن في الشرطة والقضاء علنا. وتنص موادا اخرى يتضمنها على حقوق المراة والمساواة والرقابة ومكافحة التعذيب، ويوميا يتم مخالفتها، كما يتم مخالفة مواد وبنود دستورية أخرى تجدها هُنا. الخطوة الثانية لهدم أي وطن، هي هدم دستوره. تحتكر الدولة في التعريفات الأكاديمية العنف المشروع، وتمارسه بمعايير وضوابط وأخلاقيات. وهنا وبعدما تحول الحفاظ هيبة الدولة بذاته الى هدف، ومع هيسيتريا جماهيرية متحمسة لمحاربة العدو، أهملت الدولة أخلاق ومعايير وضوابط استخدام العنف، وأصبحت بيانات وزارة الداخلية تحتوي على كلمات مثل “تصفية” دون مواربة. وأصبح الخطف دون توجيه اتهامات والقتل خارج اطار القانون ممارسات عادية، لا يشعر النظام اليوم بكارثيتها ولا بأثرها البعيد على الدولة. بين مجلس شعب لم يظهر للنور وأجهزة رقابية اعتمد قانون خاص يعطي الرئيس وحده الحق في ذبحها، من يحاسب رأس السلطة التنفيذية؟ هل الرئيس انسان لا يخطئ؟ في ظل غياب المعارضة وتخوين واقصاء كُل من يهمس معارضا، وتسويف مجلس الشعب الى أن يشاء الرئيس، وتخويف الاجهزة الرقابية بقانون، من يستطيع فى هذا البلد أن يقول للرئيس أنه مخطئ؟ من يستطيع ببساطة أن يراقب اداءه؟تقوم الدول الحديثة على توازن دقيق بين السلطات بأن يكون لكل منصب من يراقبه، فلا شخص ينفرد بالسلطة، ولا شخص فوق الحساب. ولكن يبدو أن مصر ليست دولة حديثة، أو هكذا يراد لها. الآن في مصر، نظام يواجه عدوا، حقيقيا مثل التطرف والإرهاب، أو وهميا مثل المؤامرات الماسونية و”حروب الجيل الخامس”. ولهذا النظام حركة جماهيرية واسعة تُنظّم احيانا وتكتفي بالتشجيع أحيانا اخرى. جماهير غير مؤدلجة ولكنها تؤمن – والفضل يعود لآلة كذب منظمة ومنحطة – بمجموعة من الأساطير مثل "مصر محروسة" و"الرئيس لا يخطئ” فإعلامه يمجد في القيادة، ويوظف الحرب من أجل انتصارات زائفة. هذا كُله بالإضافة الى ما لايمكن قوله، جزء من سيناريو مرسوم بقصد أو من دون قصد لهدم الدولة وكسر مؤسساتها بحجة محاربة التطرف. لايوجد عاقل مع التطرف. ولكن كُل عاقل، ضد مايحدث بحجة محاربة التطرف، ضد هدم الدولة بحجة محاربة التطرف، ضد تخريب منظومة العدالة ايضا بحجة محاربة التطرف، ضد تحويل البلد الى نظام شمولي يحكمه ويفكر ويحلم له شخص واحد بحجة محاربة التطرف، ضد التحول الى دولة أمنية بلا ضوابط ولا محاسبة بحجة محاربة التطرف، ضد هدم الدولة بشكلها الكلاسيكي من سلطات مستقلة تنفيذية وتشريعية وقضائية بحجة محاربة التطرف. تذبل بلادنا بين يدينا وفي أحلامنا، تنطوي الأمنيات الجميلة، وتترك خلفها لوحة مُرعبة رديئة لا ألوان فيها، تليق بدولة بلا مواطنين، يحمل سُكانها أرقام بدلا من اسماء، ويحمل هواؤها أجهزة تنصت، وسماؤها مظللة بأعلام يخافها الجميع قبل أن يحبوها. يقول مُريد البرغوثي: شدوا الأحزمة لأجل الوطن الزموا الصمت لأجل الوطن أطيعوا الأمر وأهل الأمر لأجل الوطن و موتوا من أجل الوطن فقلنا: مهلًا نحن الوطن اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة