نقف الآن على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ مصر. وهى مرحلة يتطلع فيها المواطنون المصريون إلى تكوين مصر جديدة، نامية وناهضة، تنشد الاستقرار والسلام المجتمعى القائم على ترسيخ دعائم الحرية ورفع ألوية الديمقراطية، كما تتطلع إلى حضور قوى على المستويين الإقليمى والعالمى مثلما كانت فى فترات ماضية، تتواصل مع إنجازات التاريخ وتنقطع عن لحظات الانكسار. ومصر الجديدة التى أتمناها وأتطلع إليها وطناً أعيش فيه وأنتمى إليه، إنما وطن يقوم على أساس مبدأ المواطنة.. نظرية وممارسة. يشارك فى صناعته وصياغة مقدراته، فى حاضره ومستقبله، أعضاء الجماعة الوطنية المصرية من عمال وفلاحين وطلاب وموظفين ورجال أعمال.. مسلمين وأقباط.. فقراء وأغنياء.. رجال وسيدات.. شباب وشيوخ.. من العاصمة والأقاليم. وطن مؤسسات وليس أشخاص. يحترم القوانين ويطبقها، ولا يميز بين مواطن وآخر، ولا مكان فيه للرشوة أو الوساطة والمحسوبية. وتقوم كل سلطة فيه، من سلطاته الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية، بوظيفتها ودورها. أحزابه أحزاباً حقيقية وقوية تتنافس بأمانة وشرف وتعمل من أجل الوطن. ويفتح المجال واسعاً أمام مؤسسات المجتمع المدنى الأهلى لتعمل فى مناخ من الحرية مع الالتزام بقيم المجتمع المصرى. وطن يخلو من الأمية التى باتت ظاهرة تؤرق عمليات التنمية. يحترم التعليم فى كافة مراحله، كأساس راسخ للبناء والعمران، ويولى اهتماماً خاصاً بالتعليم الفنى/ العملى الذى يقوم بإنتاج صُناع وعمال يتمتعون بالمهارة والكفاءة ليساهموا فى بناء صروح الوطن وتكون لهم القدرة على العمل والتواجد فى الخارج. وطن يشجع البحث العلمى ويدعمه، من خلال توفير سبل البحث المادية والفنية، لخلق مجتمع بحثى يقدم الجديد لمصر وللعالم. كما يقدر العلماء من أبنائه فى شتى المجالات والعلوم المعرفية. وطن يخلو من الفتن والتناحرات الدينية، مؤمناً بأنه من حق كل مواطن أن يعبد إلهه بالطريقة التى ارتضاها وبحرية كاملة طالما أنه لا يؤذى الآخرين ولا يضر المجتمع الذى يعيش فيه. وطن يؤمن بالتعددية والتنوع باعتبارها ظاهرة صحية تؤدى إلى الابتكار والإبداع. يهتم بترسيخ ثقافة الحوار كمنهج وأسلوب حياة، يحضره ويشارك فيه كافة القوى والتيارات الوطنية، دون تهميش أو استبعاد أو إقصاء لأحد، ودون سيطرة لطرف على الحوار، احتراماً لمبدأ المساواة بين كل الأطراف، ذلك أن الحوار هو قوة وليس ضعفاً. وطن يؤمن بحرية الرأى والتعبير، وحرية الإبداع، مؤمناً بالحق فى الاختلاف. تقوم وسائل الإعلام فيه برسالتها فى الإخبار والتوعية والتثقيف وتحترم قيم الحرية والمسئولية الاجتماعية والشفافية والمصداقية والموضوعية وغيرها من القيم النبيلة. إعلام لا يضلل المعلومات ولا يشوه الحقائق ولا يرسخ لقيم العنف والكراهية والتنابذ والسجال الدينى، إعلام يواجه الفتنة ويكرس لقيم الوحدة الوطنية والتسامح والسلام بين أبنائه. وطن يؤمن المواطنون فيه بقيم الحب والتسامح والتعاون وقبول الآخر والعمل الجماعى البناء والإيجابى. يقوم كل مواطن فيه بواجباته ويطلب حقوقه ولا يتنازل عنها، يساهم بدوره فى بناء الوطن. زين الكلام يقول المؤرخ الكبير محمد شفيق غربال (1894- 1961م) فى مقدمة كتابه (تكوين مصر) "إن المصريين هم الذين خلقوا مصر، تأمل النيل مُجتازاً آلاف الأميال من خط الاستواء إلى البحر الأبيض، هل تجد على طول مجراه إلا مصراً واحدة؟ إن هبات النيل كهبات الطبيعة سواء بسواء، طائشة عمياء، إذا ما تُركت دون ضبط، فإنها تدمر كل شىء، وتخلف مستنقعات الملاريا الوبيلة. والإنسان وحده هو الذى يستطيع أن يجعل من هذه الهبة نعمة لا نقمة. وقد كان ذلك ما عمله الإنسان فى مصر، فمصر هبة المصريين". [email protected]
