توقع الكثيرون خروج بايرن ميونيخ الألماني بعد الهزيمة بثلاثية لهدف في لقاء الذهاب أمام بورتو البرتغالي، وثارت أسئلة كثيرة حول وفاة التيكي تاكا كأسلوب يستخدمه المدرب الإسباني للفريق، البافاري بيب جوارديولا، لكن هل فعلًا ماتت التيكي تاكا، أم عادت للحياة فقط بعد الفوز السداسي لبايرن في لقاء العودة؟ التيكي تاكا لا تموت، أو ربما لم تحيا أبدًا. لم تمت التيكي تاكا، لأنها لم تحيا يومًا، لم تكن أبدًا المحرك الرئيسي لبايرن جوارديولا أو برشلونة، كانت دومًا عنصر من عناصر الكرة الشاملة التي يطبقها الإسباني، لم تكن غاية أبدًا، وكما قال «بيب» في سيرته الذاتية «التيكي تاكا مجرد هراء» هو لا يسب أسلوبه لكنه يحاول أن يفسر لنا أن كرة القدم التي يقدمها أعقد كثيرًا من كونها كرة يتم تمريرها بين اللاعبين بسرعة. جوارديولا يقدم كرة قدم مختلفة جدًا، لم يخترعها بل طورها أو الأصح أنه طبقها بأفضل شكل بوجود لاعبين متميزين سواء في برشلونة أو بايرن، يوهان كرويف اخترع الكرة الشاملة، مارسيلو بيليسا وضع لها قواعد وطورها، وجاء دور بيب فقط لتطبيقها في أحسن ظروف ممكنة، لكن ما هي صفات هذه الكرة؟ الاستحواذ يعود الاستحواذ للظهور بنفس طريقة التيكي تاكا، ليس هدفًا أو غاية في حد ذاته، الاستحواذ مجرد أحد طرق تطبيق الفكرة، وكما يقول البعض «لعبة كرة القدم بسيطة، ستفوز لو معك الكرة» لكن بوجود الكرة في حوزتك تحتاج للكثير لتحول هذا الاستحواذ لأهداف، بعض الفرق تستحوذ على الكرة من أجل منع الفريق الخصم من تسجيل أهداف، وهي أفضل طريقة هجومية للدفاع، لكنها يمكن أن تتحول بسهولة لطريقة لقتل الإثارة في كرة القدم، فماذا يفعل بيب؟ المساحات عندما تمتلك الكرة يكون هدفك التالي كشف المساحات في دفاعات الخصم، تحتاج للتحرك بدون كرة، تحتاج للاعبين أذكياء، في برشلونة كان تشافي وإنيستا الأذكياء، وعندما حط بيب الرحال في بايرن كان أول تعليق له حول لاعبي البايرن أن فيليب لام أذكي لاعب فيهم، لام الذي لعب لأكثر من عشرة سنوات كظهير أيمن تحول مع بيب لدور لاعب الوسط، لماذا؟ لأنه ذكي، لأنه يجيد رؤية المساحات في الفريق الخصم فيستطيع تمرير كرة تقتلهم، نفس الأمر تكرر في العام التالي عندما جلب بيب تشابي ألونسو من ريال مدريد، تحول مسار اللاعب الاسباني الذي اكتشف فيه بيب ليس فقط قدرات دفاعية وتمريرات طويلة، لكن ذكاء في فتح المساحات للفريق، كان هو الحل الدائم لنقل الفريق من حالة الدفاع لحالة الهجوم، عندما تصل الكرة لألونسو يستطيع بسهولة رفع الضغط على زملائه والتمرير لأفضل واحد فيهم من حيث موقعه، فلا تقطع الكرة ولا يفقد الفريق الاستحواذ، لكن ماذا يفعل الفيلسوف عندما يفقد الفريق الكرة؟ الضغط تظهر هنا إسهامات بيليسا العظيمة، المدرب الأرجنتيني الذي يعتبر الأب الروحي لبيب وللكثير من محبي الكرة الجميلة، وضع أسس مختلفة للضغط، عندما لا تملك الكرة يجب أن تضغط لاعبي الفريق الخصم، في العادة تفعل كل الفرق نفس الشيء باختلاف الطرق، معظمها يستخدم طريقة أو إثنين فقط لذلك، لكن بيليسا طور 29 طريقة للضغط!! لتبسيط الأمر، عندما يمتلك لاعب الفريق الخصم الكرة أمامك أكثر من طريقة للضغط، أولًا أن تضغط عليه بشكل مباشر لقطع الكرة، ثانيًا أن تقف أمام المساحة المفترضة للتمرير فلا يستطيع التمرير لزملائه، ثالثاً أن تضغطه باتجاه خط التماس لتضييق المساحة عليه، رابعًا أن تجبره على التمرير للخلف، بيليسا طور 29 طريقة، بيب غالبًا يستخدم سبعة أو ثمانية طرق، ومن خلال تنفيذ هذا الضغط مبكرًا تضمن طوال الوقت أن المساحة التي تلعب فيها المباراة هي منتصف ملعب الخصم أو أقل، فتكون النتيجة سيطرة كاملة تستطيع من خلالها تحويل تمريراتك لأهداف واهدافك لانتصارات وانتصاراتك لبطولات. التيكي تاكا ليست أفضل توصيف لكرة جوارديولا، ربما هي أسهل إعلاميًا وأكثر جاذبية للتوصيف لكن الحقيقة أن بيب يقدم كرة أكثر تعقيدًا من مجرد وصفها بالتيكي تاكا.
