رئيس جامعة المنوفية يستقبل لجنة قطاع الإعلام بالمجلس الأعلى للجامعات    غرفة عمليات لمتابعة امتحانات الفصل الدراسي الثاني بكفر الشيخ    نقل النواب تناقش طلبات إحاطة بشأن الطرق والكبارى    مصر رئيساً لاتحاد المعلمين العرب للدورة الثالثة على التوالي    تحقق الاستقرار والتوطين.. التجمعات الزراعية «حياة جديدة» بأرض الفيروز    تعديل رسوم التراخيص والغرامات للعائمات الصغيرة بقناة السويس    بشرى سارة.. تعديل كردون مدينة أسوان وزيادة مساحته ل 3 أضعاف    البرلمان الأوروبي يوافق على القواعد الجديدة لأوضاع المالية العامة لدول الاتحاد الأوروبي    .. وبحث التعاون مع كوريا الجنوبية فى الصناعات البحرية    السعودية تدين استمرار الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب جرائم الحرب الشنيعة في غزة    أوكرانيا: روسيا ستقصف أماكن غير متوقعة.. ونحن نستعد لصد أي هجوم    تشيلسي يهاجم آرسنال ب«جاكسون وماديوكي ومودريك»    بدء فاعليات الحفل الفني بقصر ثقافة العريش بحضور وزيرة الثقافة ومحافظ شمال سيناء    مدرب مفاجئ ينضم لقائمة المرشحين لخلافة توخيل    العميد يؤجل طلب إضافة عناصر لجهاز المنتخب لبعد مباراتي بوركينا فاسو وغينيا    اتحاد الكرة يطلب حضور 50 ألف مشجع أمام بوركينا فاسو    صدمة في ليفربول| غياب نجم الفريق لمدة شهرين    الرمال المثارة تصل اليونان.. هل تؤثر على مصر؟.. الأرصاد تجيب    براءة «عدلي القيعي» من تهمة سب وقذف «ممدوح عيد»    "تعليم البحيرة": تخصيص 125 مقرًا للمراجعة النهائية لطلاب الإعدادية والثانوية - صور    المشدد 15 عامًا ل4 مدانين بالشروع في قتل سائق وسرقته بكفر الشيخ    بدء حفل فني على مسرح قصر ثقافة العريش بحضور وزيرة الثقافة    إطلالات مثيرة وجسم رشيق..كيف أثرت ابنة مي كساب على قرار فقدان وزنها؟    افتتاح محاكي لأرشيف سينما الجنوب بمهرجان أسوان لأفلام المرأة    عمرو يوسف يكشف عن حقيقة وجود جزء ثاني من «شقو»    العقرب.. تفاصيل شخصية دياب في فيلم "السرب"    العيب الحقيقى    صبري فواز وسلوي محمد على يفتتحان «سمبوزيوم» المرأة والحياة ب«أسوان لأفلام المرأة»    بالفيديو.. خالد الجندي يشيد بكلمة وزير الأوقاف عن غزة بمؤتمر رابطة العالم الإسلامي    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    "بقى فخم لدرجة مذهلة".. خالد الجندي يشيد بتطوير مسجد السيدة زينب |فيديو    الاعتماد والرقابة الصحية توقع بروتوكول تعاون مع جامعة المنوفية    «صحة كفر الشيخ» خامس الجمهورية في تقييم القوافل العلاجية ضمن حياة كريمة    دراسة: الوجبات السريعة تسبب تلف الدماغ عند الأطفال    قضايا الدولة تشارك في فعاليات مؤتمر الذكاء الاصطناعي "ويبو"    غدا.. تدشين مكتب إقليمي لصندوق النقد الدولي بالرياض    للحوامل.. نصائح ضرورية لتجنب المخاطر الصحية في ظل الموجة الحارة    كشف ملابسات سير النقل الثقيل في حارات الملاكي بطريق السويس الصحراوي    حذر من تكرار مصيره.. من هو الإسرائيلي رون آراد الذي تحدث عنه أبو عبيدة؟    التوقيت الصيفي 2024.. مواقيت الصلاة بعد تغيير الساعة    إبداعات فنية وحرفية في ورش ملتقى أهل مصر بمطروح    مؤشر الأسهم السعودية يغلق منخفضا    النسب غير كافية.. مفاجأة في شهادة مدير إدارة فرع المنوفية برشوة الري    أبو عبيدة: الاحتلال الإسرائيلي عالق في غزة    محافظة الجيزة تزيل سوقا عشوائيا مقام بنهر الطريق بكفر طهرمس    100 قرية استفادت من مشروع الوصلات المنزلية بالدقهلية    رئيس الوزراء يحدد موعد إجازة شم النسيم    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    توفيق السيد: غياب تقنية الفيديو أنقذ الأهلي أمام مازيمبي.. وأرفض إيقاف "عاشور"    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يا أبنائى.. هذا عمكم جمال
نشر في المصري اليوم يوم 22 - 03 - 2011

منذ سنوات، وليس اليوم، أتربص بالمُعلم جمال الشرقاوى، كى أكتب عنه لابدًا له فى حقول القمح. وفى كل أسبوع أجد من الحرائق ما يتطلب المشاركة فى الإطفاء، ولو بملء فنجان فى هذه المساحة، ويتأجل الوفاء.
ولن تنتهى الحرائق قريبًا فيما يبدو، ثم إن الحديث عن جمال الشرقاوى ليس بعيدًا عن الثورة وتأصيلها، بل قد يكون فألاً حسنًا بمستقبل لم يزل بعيدًا، وسط ما نراه من لعب متقن أهاج علينا البلطجة باسم الله، والله من كل بلطجى براء.
وقد كثر الحديث عن الشباب الجديد باعتباره شباب ال«فيس بوك» والاتصال بثقافة العالم الجديدة، وهذا معناه أنه شباب اليتم، وفى هذا إجحاف بحق الأم ولبن الأم، الذى تواصل خريره فى مجرى صاف لا يكاد يراه أحد بين أنهار المجارى المتدفقة من مخرات النظام.
قلم جمال الشرقاوى متعه الله ومتع صاحبه بالصحة وطول العمر مساهم أصيل فى تعميق مجرى نهير الشراب العذب الذى روى أجيالاً بالعقلانية والتسامح والعمل من أجل هذه الأرض وناسها.
المفكر الاشتراكى التحق بأخبار اليوم محرراً عام 1965، وعبر مسيرة من الرفت والإعادة إلى العمل حسب الظروف السياسة، ظلت هذه صفته الوحيدة على مدار العقود نكاية بصفته الأولى، باستثناء بعض مقالات فكرية فى فترة قصيرة على مسؤولية شخصية من موسى صبرى أستاذ الصحافة، الذى نفتقده الآن.
لم يضع الشرقاوى أصبعًا على خد التفكير العميق ليكتب مقالاً فى برواز هو أجدر به، بينما كان خارج مؤسسته الصحفية كبيرًا، مسموع الكلمة مفكرًا ومثقفًا تنظيميًا، لكنه كان هناك أيضًا خفيض الصوت مقصيًا، بينما يحتل اللاعبون بالبيضة والحجر المواقع المتقدمة فى الحزب الذى انتمى إليه.
لم يتمرد أبدًا على أدواره، كالنحلة التى تفرز عسلها رغمًا عنها، لا يتعالى على الخبر والتحقيق الصحفى فى أعظم العمر، يسافر إلى أعماق الريف يسأل الفلاحين وصغار المهندسين فى الحقول ومراكز الأبحاث الإقليمية، جاعلاً من القمح قضية حياته، مبشرًا بكل تجربة لزيادة الإنتاج، فى دأب تفوق عليه دأب النظام التابع فى التضييق على هذه التجارب!
يعود جمال الشرقاوى من كل رحلة بخبطة صحفية، يمضى بها كالنسمة العزيزة أو الطيف، ليجلس على مكتبه فى غرفة جماعية مع أجيال متتابعة من المحررين، يكتب ما لديه ويسلمه، وتنتهى مهمته عند هذا الحد، ليبحث عن أى شعاع جديد يلوح له من خلال علاقاته الوثيقة بقطاع الزراعة.
لم يكف إلى اليوم عن السفر إلى كل جهات مصر، لا يحس الفلاح أو المهندس الشاب فى أى مكان يضيئه وجود الشرقاوى، بأنه أمام شخص يعرف أكثر منه.
وعندما رأى أن مطاردة مقدرات البلاد تنتقل من القمح إلى الأرز، وهى الكارثة التى أبقت ثلث مساحة الدلتا بورًا فى الموسم الصيفى الماضى، بحث الشرقاوى بين مصادره على من يدله على طريق لإعادة الأرز محصولاً مصريًا، ووقع على أبحاث الدكتور سعيد سليمان، أستاذ ورئيس قسم الوراثة بكلية زراعة الزقازيق، حول ما سماه «أرز الجفاف»، وعاد ليكتب تحقيقًا عن الأرز الموفر للمياه، تحت عنوان يمكن أن تجده فى ديوان شعر وليس فى صفحة تحقيقات: «الأرز يشرب نصف الكوب ويهدى نصفه للقمح».
لم يترك وسيلة للدعوة لزيادة مساحات القمح، سواء على ماء النيل فى الوادى أو على الأمطار فى الصحراء الغربية، ويقينه البسيط الواضح: «إن من لا يملك غذاءه لا يملك قراره»، ولكن الذين تفاوضوا مع الأعداء على عمولات الغاز لم يكن تهمهم كرامة القرار أو استقلاله.
لم ييأس جمال الشرقاوى أو يتوقف عن معركة القمح طوال ثلاثين عامًا، على الرغم من أنه يمتلك معدة لا تتجاوز حويصلة عصفور حبيس، لكنه يكتب ويناضل ليأكل الناس.
وإن كانت الزراعة ملفه الأول فهى ليست الملف الوحيد. لم يتأخر عن الكتابة حول لصوص البنوك ونواب الدجل والجهل ولصوص الأرض ولصوص كحل العين، ولم يتأخر عن مد تلاميذه بخبراته، ولم أر فى حياتى أستاذًا يفعل ذلك بصوت خفيض واستماع أطول من الكلام وكأنه هو الذى يتعلم إلا جمال الشرقاوى.
تفرد المفكر الذى يعمل مندوبًا صحفيًا بكونه الوحيد بين صحفيى أخبار اليوم، الذى تلقى خطاب إنهاء الخدمة فى عيد ميلاده الستين دونما إبطاء، كان ذلك عام 1992، ثم عاد كاتبًا بشكل بعد سنوات من الصمت، ليضىء صفحات جريدته بمقال صغير المساحة عظيم القيمة، لكن نقابة مكرم محمد عندما أرادت أن تكرم كرمت إبراهيم سعدة لا جمال الشرقاوى.
هذا يا أبناء الثورة عمكم جمال، الذى أعطى الكثير فى عمره العريض، ونتمناه أن يكون عمرًا طويلا أيضًا.
ووفاء لزمان الثورة، يجب أن نوفى ديوننا لمن علمونا فى حياتهم، وأن نقلع عن العادات القبيحة فى رثاء الراحلين فحسب، وكأن الزميل والأستاذ الجيد هو الزميل أو الأستاذ الميت!
ولكم أن تفخروا بجذوركم وأن تقولوا: «لنا هنا معلمون لم يبيعوا أبدًا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.