باستثناء شرط جنسية والدى المرشح لرئاسة الجمهورية والذى ينص على أنه يجب ألا يكونا حملا جنسية دولة أخرى غير مصر، فإن مجمل التعديلات الدستورية التى أجريت على دستور 1971 كان خطوة للأمام ويمكن اعتبارها أول تعديلات إيجابية تجرى على هذا الدستور منذ 40 عاما، اعتدنا فيها أن نشهد تعديلات كارثية كانت دائما للأسوأ. والحقيقة أن السياق المرتبك الذى وضعت فى إطاره التعديلات الدستورية كان هو جوهر مشكلتها، حيث أخرجها من كونها مواد تخدم التوافق العام على نصوص الدستور إلى مواد تشعل الاستقطاب السياسى والدينى بصورة غير مسبوقة، فرفعت شعارات من نوع «التصويت ب(بنعم) واجب شرعى» كمدخل شبه تكفيرى لمن سيقولون «لا» لأنهم تخلوا بذلك عن واجباتهم الشرعية فى كارثة تهدد التجربة الديمقراطية الوليدة. إن الطريق إلى دستور جديد كان يجب أن يخضع لأكبر قدر من التوافق داخل المجتمع المصرى لا يستدعى فيه كل تيار قوته العددية، ويخرج إلى العلن تحالف إسلامى واسع ضم المستنيرين والمتشددين معاً، ليثير مخاوف باقى أطياف المجتمع، وعمق من حالة الاستقطاب السياسى والدينى، ضارباً بعرض الحائط أول قاعدة تحكم عملية وضع دستور جديد وهى التوافق. أما ثانية هذه المشكلات فتتعلق بالتصريحات التى خرجت مساء الأربعاء الماضى من أحد قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، واعتبر فيها أنه يمكن النظر إلى التعديلات الدستورية الأخيرة على أنها إعلان دستورى مؤقت. وهنا يطرح السؤال: لماذا لم يوضع منذ البداية إعلان دستورى مؤقت تجرى من خلاله الانتخابات التشريعية والرئاسية بدلا من خوض الانتخابات على أساس دستور مشوه نقوم بالاستفتاء أولا على ترقيعه، تمهيدا لإلغائه ووضع دستور جديد؟! إن الطريقة التى أديرت بها عملية التعديلات الدستورية فكرتنا بأداء النظام السابق حين كان فى أحيان قليلة يتبنى موقفاً صحيحاً، ولكنه كانت لديه عبقرية نادرة فى سوء الأداء يفسد بها كل ما كان يبدو صحيحا. إن ما جرى مع التعديلات الدستورية يؤكد لنا أن النظام السابق مازال حاضراً بالتخبط والارتباك، وأن تشكك الناس التلقائى من أى سلطة حتى لو كانت بوطنية واحترام الجيش، عمقه اختيار أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فى لجنة التعديلات، حتى نظر إليه كثيرون على أنه خيار من أجل الحصول على دعم الإخوان السياسى لصالح التعديلات، خاصة أنهم قاموا بعملية حشد وتعبئة واسعة من أجل ضمان الموافقة على التعديلات الدستورية، وتناسوا أن الدستور عمل توافقى، يختلف عن برنامج حزب أو انتخابات برلمان. أتمنى أن يصوت معظم المصريين ب«لا» المتحررة من فكرة مد الفترة الانتقالية (مثل التلميذ البليد الذى لا يرغب فى دخول الامتحان)، التى لا يجب أن تتجاوز ستة أشهر من الآن، وب«لا» أخرى متحررة من فكرة المجلس الرئاسى التى ستضر أكثر بكثير مما تنفع، لأن لدينا حكومة انتقالية ومجلساً أعلى للقوات المسلحة قادرين بقليل من التشاور مع النخب والخبراء على أن يعبرا بنا إلى بر الأمان. نتمنى أن ينتصر الشعب المصرى لفكرة إعلان دستورى مؤقت لا ترقع الدستور القديم، وتؤسس لانتخابات رئاسية وتشريعية ننتخب من خلالها لجنة تأسيسية تضع دستوراً جديداً تضم شخصيات معينة ومنتخبة تعبر عن كل أطياف المجتمع المصرى لا فقط أحزاب برلمانه. [email protected]