غادرت مصر مساء يوم 26 نوفمبر 2010 و هي بحال و عدت اليها مساء يوم 22 فبراير 2011 وهي بحال أخرى تماما...!! بين التاريخين حدث بمصر ما حدث ...تركتها في ظل جكم الحزب الوطني و عصابته و عدت اليها و هي على ذمة المجلس العسكري و حمايته...!! المصريون تغيروا كثيرا بعد 25 يناير.....جرب ان تنصت قليلا و انت جالس على القهوة او (الكافيه) لحوار بين شلة شباب....قبل 25 يناير 2011 كانت مثل هذه الحوارات غالبا ما تنصب على موضوعات محددة لا تخرج غالبا عن كرة القدم و لاعبيها أو السينما و اهلها...!! غالبا ما كان يحتد النقاش بين الأهلاوية كارهي حسام جسن و أخيه ابراهيم الذين يعتبرونهما خائنين للعشرة و العيش و الملح..اللذين باعا تاريخهما العريق و حبهما العظيم لجمهور الأهلي ليرتميا في أحضان القلعة البيضاء و عشاقها..., و بين الزملكاوية الذين يعتبرا التوأم مثالا حياً للتفاني و الإخلاص في العمل والقلب (الأبيض) الطاهر...!! او كنت تجد مجموعة من الشباب تتجادل فيما بينها جدلا عنيفا بين محبي المستشار مرتضى منصور الذين يروا فيه درعا للحق و سيفا له...و كيف انه احد القلائل الذين لا يخشون في الحق لومة لائم ..فمرتضى منصور (ضد الفساد) و هذا ما يجر عليه كل هذه المتاعب و الكوارث التي تحدث له...!! و بين كارهي سيادة المستشار الذين يرون (حسب وجهة نظرهم) انه يلعب دورا مرسوما له بعناية من قبل النظام...و انه ليس اكثر من وسيلة لإلهاء الناس عن القضايا الجادة و الحقيقية و ان سيادته احد الأسباب الهامة ان لم يكن السبب الوحيد لحالة الإنهيار التي عاش فيها نادي الزمالك منذ ان تولى رئاسته و حتى الأن....!! ربما استمعت عفويا و انت جالس في كافيه لحالة جدال دائر بين شلة من الأصدقاء عن ايا منهما الأكثر اثارة غادة عبد الرازق أم سمية الخشاب....؟!! و هل المخرج خالد يوسف هو العريس المنتظر لغادة عبد الرازق....؟!! او ربما سمعت جدالا بين مجموعة من محبي الفنان أحمد حلمي حول فيلمه الأخير و لماذا لم يكن على مستوى نفس افلامه السابقة و هل هذا هو بداية النهاية ام انه مجرد حجر عثرة في الطريق....؟!! حوارات كثيرة أغلبها يدور حول موضوعات هي التفاهة بعينها موديلات موبايل....سيارات....ملابس...نميمة ...الخ كانت هذه هي حوارات اغلب (قعدات) الشباب في مصر المحروسة بطولها و عرضها...نتاج طبيعي تماما لحالة التهميش و التقزيم التي مارسها النظام السابق تجاه الشباب المصري الذي أخرجه من حساباته تماما...و لم يكن يدرك انه يمتلك جوهرة ثمينة ...لكنه كان منشغلا بجواهر و ثروات أخرى...!! بعدما عدت الى حضن الوطن بعد ثورة يتاير 2011 ...استطعت ان اكتشف بسهولة شديدة كيف ان مصر قبل 25 يناير 2011 ليست كمصر بعد الثورة..!! كل ما في مصر قد تغير فعلا....و ما لم يتغير فعلا بدأ في طور التغيير...الا ان ابرز ما تغير -من وجهة نظري- هم الشباب و حواراتهم و قعداتهم...!! جلسة واحدة على (كافيه) محاطا بمجموعات متفرقة من الشباب كانت كفيلة لأن أدرك تماما ان في مصر (ثورة) و أن الثورة قد نجحت بالفعل و ان شباب مصر قد تغير او قد بدأ فعلا يتغير.. الحوارات الجدلية العقيمة حول الكرة و نجومها و الفن و نجماته و النميمة و بلاويها توارت امام جدال من نوع أخر تماما و في اتجاه تماما مختلف...!! شباب مصر يتحاور و يتجادل حول جدوى استمرار الإعتصامات في ميدان التحرير....و هل نوافق على التعديلات الدستورية أم ان مصر في حاجة ملجة الى دستور جديد..؟!! هل كان ينبغي لأحمد شفيق ان يستمر في الوزارة ام انه من العهد البائد و كان لابد ان يرحل مع رئيسه...؟!! لماذا لم يتم التحقيق مع (مثلث) الرعب سرور و الشريف و عزمي حتى الأن..؟!! أمن الدولة و بلاويها و اللي كان بيجرى فيها.....؟!! هل علاء الأسواني اساء الأدب مع أحمد شفيق...؟!! و لا عمل (الصح) معاه....؟!! جدل...جدل...جدل....الشباب المصري تحول من مهتم بالكورة و الفن الى مهتم بالشأن العام و مستقبل البلد...!! جرب تقعد في (قعدة) شباب لتكتشف كم من الأراء المتناقضة التي يتم طرحها و ممارسة الحق في التعبير و المناقشة...شباب بيمارس سياسة بجد....ربما ستجد اراء (سطحية) جدا.....ربما لن يعجبك الكثير مما ستستمع اليه....ربما ستصدم قليلا من كم العنف اللفظي و عدم تقبل الرأي الأخر الذي يمارسه الشباب في حواراتهم و جدلهم...!! كل هذا مقبول جدا...فشباب مصر في مرحلة التحول من (متابع) للأحداث الى (صانع) لها....تجربة ممارسة السياسة جديدة و عريبة على اغلب الشباب المصري....سنمر بمرحلة تخبط في طرق و اساليب ممارسة السياسة و لكنه شيء عادي بل وطبيعي ان يحدث ..!! عندما تتغير اهتمامات و نقاشات الشباب لتنتقل من الحديث عن ابو تريكة و حسام حسن و غادة عبد الرازق و هيفاء وهبي الى الحديث عن عصام شرف و البرادعي و علاء الأسواني و عمرو موسى....اذن لقد نجحت الثورة...ليس فقط في تطهير مصر من الفساد و انتشالها من المستنقع الذي كنا جميعا نغرق فيه...بل في تغيير عقول و اهتمامات من ستؤؤل اليهم مهمة استمرار هذه الثورة في تحقيق اهدافها المنشودة. يا شبابك يا مصر...!!!