«هيدا الوحيد جيش الخلاص»، جملة قالها «سعيد عقل» واصفا بها الجيش الإسرائيلى في مطلع الثمانينيات من القرن الماضى، فاهتزت شجرة الحب له في قلوب العرب، لكنها لم تنجح في قلعها من جذورها، فما كتبه من شعر لا يمحوه عداء، أو خوف على وطن عاش حربا أهلية، وتناقض واضح في المواقف، فهو شاعر وكفى. في عمر 15 عاما، أجبر «عقل»، الذي يحلم بدراسة الهندسة، على ترك المدرسة، والعمل للإنفاق على أسرة تعرضت لخسارة مالية، فخسر مستقبله، وربح الشعر والغناء العربى والصحافة، فكان الأب الروحى للرحبانية في كتابة أعمالهم، وكان الأجرأ بين من كتبوا مقالات. 102 عام عاشها «عقل»، شاعر رقيق على الورق، عنيف ومتناقض في مواقفه، يكتب «يارا» الناعمة، و«مربى» الغارقة في الرومانسية، و«بحبك مابعرف» الطازجة الفكرة وقتها، ويدافع عن لبنان وعن لغته العامية التي طلب أن تكون «رسمية» حفاظا على الهوية، ويمتدح «مكة»و«الأردن»و«دمشق»، بل ويقول: «أنا لا أنساك فلسطين ويشد يشد بى البعد»، بعد هجومه العنيف على وجود الفلسطينيين في لبنان. لم تسيطر رمزية الشعر الفرنسى على «عقل» رغم تأثره به، بل أنقذته قراءته الواسعة للأدب، بغرض تعويض عدم استكمال الدراسة، ومنحته فرصة التجديد في القصيدة، فكان كل إنتاج له حدثا مهما مثل «المجدلية» 1937، التي غيرت في تراكيب الشعر العربى، و«قدموس» 1944، التي فتحت طريقا لكتابة مسرحية شعرية حقيقية، ويؤكد انحيازه لوطن واحد بكتابه العبقرى «لبنان إن حكى» 1960، والذى يحكى فيه أمجاد بلده في صورة حواديت. رحل «سعيد عقل»، أمس، تاركا أثرا شعريا لا يُمحى، وإنتاجا أدبيا متفردا، ومواقف متناقضة تجمع حب الشاعر ورفض مواقفه. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة
