صفحة جديدة في العلاقات بين دول الخليج.. أو هكذا يتمنى قادة الخليج في احتواء الوضع القطري المارق، فالقادة يسعوا لجعل الضرورة التي دفعت قطر لقبول اتفاق الرياض التكميلي أمرا واقعا وليس مجرد اتفاقا برتوكوليا أو شكلا سياسيا خالي من المضمون الفعلي. فبرتوكوليا نجحت قمة الرياض الاستثنائية التي انعقدت يوم الأحد 16 نوفمبر في عودة الدوحة للحظيرة من جديد، وبروتوكوليا وافقت الدوحة على الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول الخليج، وبروتوكوليا قبلت بعدم دعم أي عمل يهدد أمن واستقرار دول المجلس، وعدم دعم الإعلام المعادي. ثم بروتوكوليا عاد سفراء السعودية والإمارات والبحرين للدوحة يوم الأربعاء 19 نوفمبر طبقا لاتفاق الرياض التكميلي بعد القطيعة منذ مارس الماضي في أكبر تهديد يوجه للعلاقات الخليجية البينية منذ نشأة مجلس التعاون الخليجي عام 1981. وفي نفس اليوم ناشد ملك السعودية مصر شعبا وقيادة للتفاعل الإيجابي مع نتائج الاتفاق حرصا على مصلحة الأمة العربية والإسلامية في مواجهة التحديات التي تواجهها، وبروتوكوليا ردت الرئاسة المصرية بتثمين جهود الملك عبدالله والتأكيد على حرصها على وحدة الصف العربي. والحقيقة أنه لم تكن الأخطار المحدقة بالخليج هي دافع قطر للقبول بما تململت منه على مدار العام ونصف الماضيين، فلا اقتراب إيران من الاتفاق مع الغرب بشأن البرنامج النووي وأثر ذلك على دورها في المنطقة، ولا الحوثييون وما يمثلونه من خطر التكرار داخل مكونات دول الخليج، ولا داعش وتهدديها، وإنما هو البرتوكول السياسي وحده كان وراء رضوخ الدوحة. فالشهر القادم موعد قمة مجلس التعاون المقرر انعقادها في الدوحة وسط مقاطعة معلنة من الدول الأعضاء، لتكون أول قمة تعقد ولم يحضر أحد، وهو فشل لا يمكن تغطيته بالقوى الناعمة سواء الإعلامية والسياسية والمالية التي تعتمد عليها قطر في تحركها، ومع الاتهام المباشر لقطر بدعم منظمات وجماعات إرهابية. والحقيقة أيضا أن قطر لن تتخلى عن تحالفها مع الإخوان، وإنما ستعتبر قمة الرياض نصرا أخر للسعودية، ورضوخا جديدا لها أمام الدولة الكبرى في المنطقة، وهو ما يمثل عقدة حاكمة ومحركة للفعل القطري طوال العقدين الماضيين. فقطر المتمردة حجزت لنفسها مكانا بعيدا عن الخريطة السياسية القائمة، وذهبت بعيدا لتكون طرفا في صياغة خريطة جديدة تمخضت عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وكانت ولا تزال طرفا في خطة الولاياتالمتحدة لتغير المنطقة ونشر الديمقراطية، والسعي لاستبدال الأنظمة القائمة بأخرى لها تأثير على الشعوب، لتبعد عن أراضيها ومصالحها غضبة الناقمين من الشباب العربي. ووجدت أمريكا ضالتها في النموذج التركي رجب طيب أردوغان، الإخواني الذي يمكن التعاون معه، ووجدت في قطر «عراب» هذا النموذج ومسوقه للمنطقة العربية من خلال قناتها الأكثر تأثيرا في الشارع العربي آنذاك «الجزيرة». فقطر الساعية لدور أكبر مما تتيحه حدودها وإمكانيتها الجغرافية والبشرية والعلمية والتاريخية وجدت نفسها في النظام الجديد، ثم كان النصر قاب قوسين أو أدنى، وبدت الثمار قد أتت أوكلها مع ثورات الربيع العربي وفوز الإخوان فعلا في أول انتخابات جرت في دول الربيع. وإذا بحركة مضادة تأتي على الإخوان في مصر وإعلان الحرب عليهم في السعودية والإمارات ودعم باقي دول الخليج، هذا السقوط للإخوان هو إعلان الفشل بعينه ويضيع هباء جهود وتحرك السنوات الماضية، ويعيد قطر لحدودها الطبيعية في المنطقة. فالتخلي عن الإخوان من جانب قطر هو إعلان رسمي بالهزيمة، والضرورة تقول إن ارتباط قطر بالإخوان ارتباط مصالح لا انفصام فيه ما دامت الدوحة ساعية في التحكم بأوراق اللعب في المنطقة. والإخوان وإن فشلوا في أن يكونوا البديل للأنظمة في بعض الدول العربية فهم لا يزالون ورقة ضغط على الحكومات، ولا يزالوا يمثلون خطرا ماثلا على أنظمة أخرى، وشريك أساسي لا يمكن تجاهله في أنظم ة ثالثة. لتبقى ورقة الإخوان إحدى آليات التأثير والضغط في السياسة القطرية التي أجادت استغلال هذه الأوراق في نظامها السياسي القائم، ولذا ليس من السهل التفريط في هذه الورقة ولا التخلي عن دعم الإخوان في المنظور القريب.. في انتظار جولة أخرى بعد انتهاء المراسم البروتوكولية. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة