في الرابع عشر من نوفمبر عام 1967 خرجت صحيفة «الأهرام» وعلى صفحتها الأولى نعي إلى مصر والعالم العربي والإسلامي يقول نصه: «توفي أمس الصحفي الكبير والخطيب المفوّه محمد توفيق دياب عن 79 عاما ولقد لمع اسم توفيق دياب في أواخر العشرينيات وطوال الثلاثينيات واقترن اسمه بالجهاد الوطني ومكافحة الطغيان الملكي والاستعمار البريطاني ولاسيما منذ توليه رئاسة تحرير (الجهاد) التي تم تعطيلها مرات عديدة بسبب ضراوة افتتاحياتها. وقد اعتزل الحياة العامة منذ فترة طويلة مكتفيًا بنشاطه في المجمع اللغوي الذي كان عضوا فيه.. ولعل آخر مقالاته مقال نشره في جريدة «الأهرام»، يوم 17 ديسمبر عام 1955 بعنوان (والأمة المصرية تغلي حفيظتها)، منددًا بإسرائيل وبمساندة أمريكا لها وكان رحمه الله في قمة حيويته شعلة إذا خطب ولهبًا إذا كتب وكانت سيرته صفحة من تاريخ البلاد وصراعاتها». كان هذا نص النعي في الصفحة الأولى للأهرام التي كان عمود توفيق دياب هو أول الأعمدة الصحفية فيها ولعله من المفارقة أن تتزامن وفاة توفيق دياب ( 13 نوفمبر) مع يوم عيد الجهاد الذي ذهب فيه سعد زغلول ورفاقه عام 1918 ليقابلوا المندوب السامي البريطاني يطالبونه باستقلال البلاد»، ونحن هنا إذ نحيي ذكرى صحفي من أكثر الصحفيين الذين تعرضوا لقمع السلطة ودفع ضريبة الرأي الوطني الحر فإنما ندلل بنموذج صحفي على تاريخ طويل من النضال الصحفي المصري المشرف في سجل الصحافة المصرية. وتقول سيرة محمد توفيق دياب إنه ولد عام 1888 بقرية ينهوت البرك بمحافظة الشرقية وهو ابن أحد كبار ضباط الجيش المصري خلال ثورة عرابي وهو الأميرالاي موسي بك دياب والذي كان ضمن المحكوم عليهم بالإعدام عقب فشل الثورة، ثم تم تخفيف الحكم إلى النفي، ومع تنوع أماكن النفي كان نصيب موسى دياب أن تم تحديد إقامته في هذه القرية فهو ليس من المحرضين رغم خروجه على النظام ويدهشنا انضمامه للعرابيين رغم كونه أحد رجال الخديو توفيق وكان قد اعتقل لمدة ستة أشهر في ثكنات قصر النيل رهن التحقيق في تهم الاشتراك في هذه الثورة. ويقول د. يونان لبيب رزق، إن توفيق دياب غادر قريته إلى منيا القمح وكان متمردا بطبعه وهدده أبوه بالحرمان من التعليم، ونقله إلى مدرسة الجمالية التي حصل على الابتدائية منها، ثم التحق بمدرسة التوفيقية الثانوية والخديوية الثانوية ولم يكن منتظما في الدراسة، حسب اعترافه، فنقله أبوه إلى الإسكندرية ليحصل على البكالوريا من مدرسة رأس التين، ذلك أنه كان يترك المدرسة ويقضي الوقت في حلقات العلم في الأزهر، وقد انعكست هذه الفترة على إجادته علوم اللغة، وأضافت لتمرده وثورته تمردا وثورية. وبعد حصوله على البكالوريا عاد إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة العليا لأبناء الطبقة التي ينتمي إليها الباشوات والبكوات والأفندية وهي مدرسة الحقوق ويلازمه التمرد رغم تفوقه، فيترك مدرسة الحقوق ويطلب من أبيه أن يوفده إلى لندن، فأوفده أبوه حتى دون أن يعرف الجميع السبب، وقضى في لندن خمس سنوات، لكنه كان بينه وبين حصوله على الشهادة خصومة ولم يعترف هو بها ولم يعتبرها مؤهلًا للتميز، كان ذلك في مقال بعث به لأحمد لطفي السيد عام 1912، وهو نفس موقفه من الوظائف الحكومية، إذ وصف التهافت عليها «بالعجرفة والاستعلاء». ويعود توفيق دياب إلى بلاده ويستقر في قريته «سنهوت» ويعتكف فيها ما يقرب من العامين عاد بعدهما إلى القاهرة عام 1916 ليبدأ مشاركته في الحياة العامة، وأخذ يلقي المحاضرات في الكنائس كل جمعة حول فن الخطابة الذي عرفه في أوروبا ثم استأجر مسرحا لإلقاء محاضرات ثقافية واجتماعية مقابل رسم دخول خمسة قروش وقد لقيت محاضراته إقبالا شديدا، فكثيرا ما كانت تحتشد القاعة، وذاع صيته، مما حدا بالجامعة الأمريكية إلى أن تدعوه لإلقاء محاضرات في قاعة «إيوارت» برسم دخول أيضا. ويطلب أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد منه الانضمام إلى الجامعة الأهلية ويقدمه إلى صديقه سعد زغلول، وكيل الجامعة، ويبدأ دياب في إلقاء دروسه بالجامعة. وعن زواج توفيق دياب، قال مصطفى أمين، إنه بينما كان دياب في لندن توطدت علاقته بشاب مصري أعجب به وبتمكنه من اللغة الإنجليزية وطلب منه أن يتزوج شقيقته، وكان هذا الشاب هو كامل حسين الذي طلب منه أن يأخذ رأي شقيقته أولًا فلما سألها ووصف لها دياب وصفًا دقيقًا قال لها في النهاية: إنه شاب غير عادي، فإذا أراد الخروج من الغرفة وقرر أن يختصر الطريق للشارع، فإنه سيقفز من الشباك. فقالت له: أقبل. وعلى حد ما ذكره د. يونان أن دياب نجح في بناء أسرة مستقرة دامت أربعين عامًا، وعلى حد وصف عزيز أباظة لهذه الزيجة: «كان دياب من أصدق الأزواج حبًا لزوجته وتقديرًا لها واعتزازًا بفضلها عليه وعلى بيته وأبنائه وتشجيعها ودعمها المستمر له، أما هو فقد كان أبًا بارًا أنشأ أولاده أسعد تنشئة وأرخاها وصادقهم حينما كبروا». وأنجب ثلاث بنات وابنين، توفي أحدهما «صلاح» وهو لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره وكان طالبًا في الجامعة الأمريكية إثر طلقة طائشة أصابته من مسدس صديق له كان يزوره في عزبة دياب في مدينة أبوحمص بالبحيرة، وقد أدى هذا الحادث لاعتزال دياب الحياة العامة على مدى عام انتهت عام 1942 حينما قرر الخروج من أزمته ليخوض المعركة الانتخابية بعد حادث 4 فبراير. وفي 17 أبريل 1961، توفيت زوجته التي نعاها أحمد الصاوي محمد في كلمة مؤثرة بجريدة الأهرام. وقد انتخب عضوا في مجلس النواب في دورتي 1930 و1936 وكانت له إسهامات متميزة في مجال التعليم. اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة