حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزعيم في ذكرى رحيله ال44.. ناصر من اليُتم إلى المجد
نشر في المصري اليوم يوم 28 - 09 - 2014

تقاس أهمية تاريخ مصر بالمحطات الفارقة فيه، وبالحكام والزعماء الاستثنائيين الذين تعاقبوا عليها ومن هؤلاء جمال عبدالناصر، الذي تبدت لديه روح الزعامة شابا صغيرا، حتى أنه عندما قاد الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو كان له من العمر 34 سنة، فهو من مواليد 15 يناير 1918.
مثل عهده نقلة استثنائية في تاريخ مصر وحظيت مصر بمكانة مهمة في محيطها العربي والإفريقي والدولي وكان زعيما يليق بمكانة مصر، ولقد شهد عهده اهتماما بالفقراء والفلاحين والتعليم والصحة والتصنيع والسينما والصحافة والمسرح وكان صوت مصر وتأثيرها واصلا للعمق الإفريقي، الأمر الذي يفسر خروج المصريين في كل ربوع مصر يشيعون جثمانه ويبكونه بقلوب حارة.
جمال عبد الناصر
ومما يذكر له من إنجازات أنه قام بتأميم قناة السويس، وإنشاء السد العالي، على نهر النيل وتأسيسه منظمة عدم الانحياز مع الرئيس اليوغوسلافي تيتو، والإندونيسي سوكارنو، والهندي نهرو، كما كان أبرز الزعماء المنادين بالوحدة العربية ويعد «مؤتمر باندونج» سنة 1955 نقطة انطلاق عبدالناصر إلى العالم الخارجي.
دعم الرئيس عبدالناصر القضية الفلسطينية وساهم شخصيا بالحرب الاسرائيلية عام 1948 وجرح فيها وعند توليه الرئاسة اعتبر القضية الفلسطينية من أولوياته لأسباب عديدة منها مبدئية ومنها استراتيجية تتعلق بكون قيام دولة معادية على حدود مصر سيسبب خرقا للأمن الوطني المصري، كما أن قيام دولة إسرائيل في موقعها في فلسطين يسبب قطع خطوط الاتصال السوقي والجماهيري مع المحيط العربي خصوصا الكتلتين المؤثرتين الشام والعراق لذلك كان يطمح لقيام وحدة إما مع العراق أو سوريا أو كليهما.
كان له دور بارز في دعم الحركات التحررية في إفريقيا والعالم العربي ومنها مساندة ثورة الجزائر وتبني قضية تحرير الشعب الجزائري في المحافل الدولية، وساند أيضا ثورة اليمن بزعامة عبدالله السلال في اليمن سنة 1962م، ضد الحكم الملكي إلا أن قوى الملكية بمساندة المملكة العربية السعودية هاجمت الثوار بما يسمى بحرب السبعين يوما.
شهدت مصر في الفترة من مطلع الستينيات إلى ما قبل النكسة نهضة اقتصادية وصناعية كبيرة، بعد أن بدأت الدولة اتجاها جديدا نحو السيطرة على مصادر الإنتاج ووسائله، من خلال التوسع في تأميم البنوك والشركات والمصانع الكبرى، وإنشاء عدد من المشروعات الصناعية الضخمة، وقد اهتم عبدالناصر بإنشاء المدارس والمستشفيات، وتوفير فرص العمل لأبناء الشعب، وتوَّج ذلك كله ببناء السد العالي الذي يُعد أهم وأعظم إنجازاته على الإطلاق، حيث حمى مصر من أخطار الفيضانات، كما أدى إلى زيادة الرقعة الزراعية بنحو مليون فدان، بالإضافة إلى ما تميز به باعتباره المصدر الأول لتوليد الكهرباء في مصر، وهو ما يوفر الطاقة اللازمة للمصانع والمشروعات الصناعية الكبرى.
ولد عبدالناصر في 18 شارع قنوات في حي باكوس الشعبي بالإسكندرية، وكان الابن الأكبر لعبدالناصر حسين المولود في قرية بني مر في صعيد مصر في أسره من الفلاحين، وكان يعمل في مصلحة البريد بالإسكندرية، والتحق ناصر بروضة الأطفال بمحرم بك بالإسكندرية، ثم بالمدرسة الابتدائية بالخطاطبه بين عامي 1923 و1924.
وفي 1925 دخل مدرسة النحاسين الابتدائية بالجمالية بالقاهرة لثلاث سنوات، وكان يسافر لزيارة أسرته بالخطاطبه في العطلات المدرسية، وحين وصل في الإجازة الصيفية في 1926 علم أن والدته قد توفيت قبل أسابيع، ولم يجد أحد الشجاعة لإبلاغه بموتها، مما زلزل كيانه.
وبعد السنة الثالثة في مدرسة النحاسين بالقاهرة، أرسله والده في صيف 1928 عند جده لوالدته فقضى السنة الرابعة الابتدائية في مدرسة العطارين بالإسكندرية، وفي 1929 التحق بالقسم الداخلي في مدرسة حلوان الثانوية وقضى بها عامًا واحدًا، ثم نقل في1930 لمدرسة رأس التين الثانوية بالإسكندرية حيث انتقل والده إلى للعمل بالبوسطة هناك، وفي هذه المدرسة تشكل وعيه السياسي الأول.
شارك بعد إلغاء دستور 1923 في 1930 في مظاهرة طلابية نظمتها جماعة مصر الفتاة وخرج من هذه التجربة مشحونًا بطاقة من الغضب وضاق المسؤولون بالمدرسة بنشاطه ونبهوا والده فأرسله إلى القاهرة.
التحق في 1933 بمدرسة النهضة الثانوية بحي الظاهر، واستمر في نشاطه السياسي وظهر شغفه بالقراءة وكانت قراءاته نوعية تكاد تكون حول هم واحد وهو الهم الثوري والوطني والإنساني، أو عن سير الزعماء التاريخيين، كما قرأ مسرحية توفيق الحكيم «عودة الروح» التي تتحدث عن ضرورة ظهور زعيم للمصريين يستطيع توحيد صفوفهم ودفعهم نحو النضال، كما قام بالتمثيل وجسد شخصية يوليوس قيصر في مسرحية «شكسبير».
وفي 1935 كانت مصر تمور بالحركةالوطنية التي لعب فيها الطلبة الدور الأساسي مطالبين بعودة الدستور والاستقلال، كتب ناصر لصديقه حسن النشار في 4 سبتمبر 1935 خطابا جاء في موضع منه: «لقد انتقلنا من نور الأمل إلى ظلمة اليأس ونفضنا بشائر الحياة واستقبلنا غبار الموت، فأين من يقلب كل ذلك رأسًا على عقب، ويعيد مصر إلى سيرتها الأولى يوم أن كانت مالكة العالم أين من يخلق خلفًا جديدًا لكي يصبح المصري الخافت الصوت الضعيف الأمل الذي يطرق برأسه ساكنًا صابرًا على اهتضام حقه ساهيًا عن التلاعب بوطنه يقظًا عالي الصوت عظيم الرجاء رافعًا رأسه يجاهد بشجاعة وجرأة في طلب الاستقلال والحرية».
ولنا أن نتأمل الصياغة واللغة والتعبير في هذه الرسالة التي تكشف عن روح الزعامة لديه وتجسد أحلامه الوطنية ولم يكن ينقص الرسالة سوي كلمة وسأكون أنا هذا الرجل، وفور صدور تصريح «صمويل هور»– وزير الخارجية البريطانية – في 9 نوفمبر1935معلنًا رفض بريطانيا لعودة الحياة الدستوريةفي مصر اندلعت مظاهرات الطلبة والعمال في البلاد، وقاد عبدالناصر في 13 نوفمبر مظاهرة من تلاميذ المدارس الثانوية واجهها البوليس الإنجليزي فأصيب جمال بجرح في جبينه وأسرع به زملاؤه إلى دار جريدة الجهاد (لصاحبها توفيق دياب ) والتي تصادف وقوع الحادث بجوارها ونشر اسمه في العدد الذي صدر صباح اليوم التالي بين أسماء الجرحى.
واستولت السياسة على ذهن ووقت ووجدان ناصر وصارت شغله الشاغل تطلعا لتحرير الوطن وبدأ يتحسس طريقه بين التنظيمات والجماعات الوطنية فانضم إلى مصر الفتاة لعامين، ثم انصرف عنها بعد أن اكتشف أنها لا تحقق شيئًا، كما كانت له اتصالات بالإخوان المسلمين إلا أنه قد عزف عن الانضمام لأي من الجماعات أو الأحزاب القائمة لأنه لم يقتنع بجدوى أيًا منها.
وبعد حصوله على الثانوية قرر الالتحاق بالجيش، لقناعة تكونت لديه بأن تحرير مصر لن يتم بالخطب بل يجب أن تقابل القوة بالقوة والاحتلال العسكري بجيش وطني فتقدم للكلية الحربية واجتاز الكشف الطبي وسقط في كشف الهيئة لأنه حفيد فلاح وابن موظف بسيط ولا يملك واسطة، ولما رفضته الكلية التحق في أكتوبر 1936 بكلية الحقوق في جامعة القاهرة لستة أشهر إلى أن عقدت معاهدة 1936 واتجهت النية إلى زيادة عدد ضباط الجيش المصري بصرف النظر عن طبقتهم الاجتماعية أو ثروتهم، وتقدم وقابل وكيل وزارة الحربية اللواء إبراهيم خيري الذي أعجب بصراحته ووطنيته وإصراره على أن يصبح ضابطًا فوافق على دخوله في مارس 1937.
تخرج من الكلية الحربية بعد مرور 17 شهرًا في يوليه 1938 لاستعجال تخريج دفعات لتوفير عدد كاف من الضباط المصريين لسد الفراغ الذي تركه انتقال القوات البريطانية إلى منطقة قناة السويس.
انكب ناصر على مكتبة الكلية وواصل قراءة سير العظماء وعن شؤون الشرق الأوسط والسودان والتاريخ العسكري وغير ذلك وبعد تخرجه التحق بسلاح المشاة ونقل إلى منقباد في الصعيد، وهناك ساءته أوضاع الفلاحين كما التقى زكريا محيى الدين وأنور السادات.
وفي 1939 وبناء على طلبه انتقل للخدمة في الخرطوم وفي جبل الأولياء، وهناك التقي عبدالحكيم عامر وفي مايو 1940 رقى إلى رتبة الملازم أول وأصيب هو ورفاقه بخيبة أمل حيث معظم الضباط «عديمي الكفاءة وفاسدين»، وظل يحلم بإصلاح الجيش وتطهيره من الفساد.
وفي نهاية عام 1941 بينما كان «روميل» يتقدم نحو الحدود المصرية الغربية عاد ناصر إلى مصر ونقل إلى كتيبة بريطانية تعسكر خلف خطوط القتال بالقرب من العلمين وفي هذه المرحلة وعلي حد اعترافه رسخت فكرة الثورة في ذهنه رسوخًا تامًا، وكان السبيل إلى تحقيقها لا يزال بحاجة إلى دراسة، واتجه تفكيره لتجميع عدد كبير من الضباط الشبان الذين يؤمنون بصالح الوطن.
ثم وقع حادث 4 فبراير 1942 حينما وجه السفير البريطاني، السير مايلز لامسبون، إنذارا للملك فاروق يخيره فيه بين إسناد رئاسة الوزراء إلى مصطفي النحاس وبين الخلع، ورضخ الملك ورقى جمال عبدالناصر إلى رتبة اليوزباشى (نقيب) في 9 سبتمبر 1942.
وفي 7 فبراير 1943 عين مدرسًا بالكلية الحربية ومن قائمة مطالعاته في هذه الفترة يتضح أنه قرأ لكبار المؤلفين العسكريين وأخذ يعد العدة للالتحاق بمدرسة أركان حرب، ثم شهد عام 1945 انتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية حركة الضباط الأحرار، وانصب اهتمام ناصر منذ ذلك العام إلى مابعد حرب 1948 على تأليف نواة من الناس الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور في مصر مبلغ استيائه، والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم الكافي للإقدام على التغيير اللازم وكانوا لايزالون جماعة صغيرة من الأصدقاء.
وعلى إثر صدور قرار تقسيم فلسطين في سبتمبر 1947 عقد الضباط الأحرار اجتماعًا واعتبروا أن اللحظة جاءت للدفاع عن حقوق العرب ضد هذا الانتهاك واستقر رأيهم على مساعدة المقاومة في فلسطين، وعرض ناصر على مفتي فلسطين خدمات جماعته الصغيرة كمدربين لفرقة المتطوعين وكمقاتلين معها ولم يستطع المفتي قبول دون موافقة الحكومة المصرية، ثم أمرت الحكومة المصرية الجيش رسميًا بالاشتراك في الحرب فسافر جمال إلى فلسطين في 16 مايو 1948، وكان برتبة صاغ (رائد) في أوائل 1948.
وكان لتجربته في حرب فلسطين بالغ الأثر في تعزيز الرغبة في القيام بثورة وكان قد قام بقيادة كتيبة المشاة السادسة إلى عراق سويدان التي كان الإسرائيليون يهاجمونها، ثم كان حصار الفالوجا وظلت القوات المصرية تقاوم رغم أن القوات الإسرائيلية كانت تفوقها كثيرًا عتادا وعددا وانتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة في 24 فبراير 1949 وجرح ناصر مرتين أثناء هذه الحرب وحصل على نيشان «النجمة العسكرية» في عام 1949.
وبعد رجوعه إلى القاهرة أيقن أن المعركة الحقيقية هي في مصر، وأصبح الملك فاروق هو هدف تنظيم الضباط الأحرار منذ نهاية 1948 وحتى 1952و كان ناصر قد عقد النية للقيام بالثورة في 1955، لكن الحوادث أملت عليه قرار القيام بالثورة قبل ذلك بكثير وكان قد عين مدرسًا في كلية أركان حرب التي كان قد نجح في امتحانها بتفوق في 12 مايو 1948.
تجدد نشاط الضباط الأحرار، وتألفت لجنة تنفيذية بقيادة جمال عبدالناصر، وضمت كمال الدين حسين، وعبدالحكيم عامر، وحسين إبراهيم، وصلاح سالم، وعبداللطيف البغدادي، وخالد محيى الدين، وأنور السادات، وحسين الشافعي، وزكريا محيى الدين، وجمال سالم، وهى اللجنة التي أصبحت مجلس الثورة فيما بعد.
وفي 8 مايو 1951 رقى لرتبة البكباشى (مقدم) وشارك مع رفاقه من الضباط الأحرار سرًا في حرب الفدائيين ضد القوات البريطانية في منطقة القناة حتى بداية 1952، وذلك بتدريب المتطوعين وتوريد السلاح الذي كان يتم في إطار الدعوى للكفاح المسلح وتسارعت الأحداث.
وفي بداية عام 1952 اتجه تفكير الضباط الأحرار إلى الاغتيالات السياسية لأقطاب النظام القديم على أنه الحل الوحيد وفعلًا بدأوا باللواء حسين سرى عامر- أحد قواد الجيش الذين تورطوا في خدمة مصالح القصر إلا أنه نجا من الموت، وكانت محاولة الاغتيال تلك هي الأولى والأخيرة التي اشترك فيها ووافق الجميع على العدول عن هذا الاتجاه، وصرف الجهود إلى تغيير ثوري إيجابي وشامل وبدأت منشورات الأحرار في الظهور وكانت تطبع وتوزع سرًا إلى أن وقع حريق القاهرة في 26 يناير 1952 في أعقاب المظاهرات الغاضبة احتجاجًا على مذبحة رجال البوليس بالإسماعيلية التي ارتكبتها القوات العسكرية البريطانية.
وكانت المواجهة الأولي بين الأحرار والملك في انتخابات نادي ضباط الجيش حيث رشح الملك اللواء حسين سرى عامر المكروه من ضباط الجيش ليرأس اللجنة التنفيذية للنادي، وقرر الضباط الأحرار أن يقدموا قائمة مرشحيهم وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب للرئاسة، وقد تم انتخابه بأغلبية كبرى وبرغم إلغاء الانتخاب بتعليمات من الملك شخصيًا، وثبت للضباط الأحرار أن الجيش معهم يؤيدهم ضد الملك، فقرر جمال عبدالناصر تقديم موعد الثورة التي كان محددًا لها قبل ذلك عام 1955، وتحرك الجيش ليلة 23 يوليو 1952 وتم احتلال مبنى قيادة الجيش بكوبري القبة وإلقاء القبض على قادة الجيش الذين كانوا مجتمعين لبحث مواجهة حركة الضباط الأحرار.
وبعد نجاح حركة الجيش قدم محمد نجيب على أنه قائد الثورة- وكان الضباط الأحرار قد فاتحوه قبلها بشهرين في احتمال انضمامه إليهم إذا ما نجحت المحاولة- إلا أن السلطة الفعلية كانت في يد مجلس قيادة الثورة الذي كان يرأسه عبدالناصر حتى 25 أغسطس 1952 عندما صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بضم محمد نجيب إلى عضوية المجلس وأسندت إليه رئاسته بعد أن تنازل له عنها عبدالناصر، وفي صباح يوم 23 يوليه وبعد احتلال دار الإذاعة تمت إذاعة بيان الثورة الأول.
وبعد نجاح الثورة ب3 أيام أي في 26 يوليه أجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد ومغادرة البلاد وفي اليوم التالي أعيد انتخاب عبدالناصر رئيسًا للهيئة التأسيسية للضباط الأحرار، وفي 18 يونيه 1953 صدر قرار من مجلس قيادة الثورة بإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وبإسناد رئاسة الجمهورية إلى محمد نجيب إلى جانب رئاسته للوزارة التي شغلها منذ 7 سبتمبر 1952.
أما جمال عبدالناصر فقد تولى أول منصب عام كنائب رئيس الوزراء ووزير للداخلية في هذه الوزارة التي تشكلت بعد إعلان الجمهورية، وفي الشهر التالي ترك عبدالناصر منصب وزير الداخلية وتولاه زكريا محيى الدين واحتفظ بمنصب نائب رئيس الوزراء.
وفي فبراير 1954 استقال محمد نجيب بعد أن اتسعت الخلافات بينه وبين أعضاء مجلس قيادة الثورة، وعين عبدالناصر رئيسًا لمجلس قيادة الثورة ورئيسًا لمجلس الوزراء وتم قبول استقالة محمد نجيب، وسرعان ما تم تدارك مظاهر ذلك الخلاف فقبل مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية في بيان صدر في 27 فبراير 1954.
جمال عبد الناصر
بدأت بعد ذلك أحداث الشغب التي دبرتها جماعة الإخوان المسلمين التي أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا مسبقًا بحلها في 14 يناير 1954، (قرار المجلس بحل جماعة الإخوان المسلمين) وقرر مجلس قيادة الثورة تعيين محمد نجيب رئيسًا للمجلس، ورئيسًا لمجلس الوزراء بعد أن تنحى عبدالناصر عن رئاسة الوزارة، وعاد نائبًا لرئيس مجلس قيادة الثورة.
وتجددت الأزمة في 29 مارس 1954 وأحدثت انقسامًا داخله بين محمد نجيب يؤيده خالد محيى الدين وبين جمال عبدالناصر وباقي الأعضاء وكان «الإخوان» في صف نجيب.
وفي 17 أبريل 1954 تولى جمال عبدالناصر، رئاسة مجلس الوزراء، واقتصر محمد نجيب على رئاسة الجمهورية إلى أن جرت محاولة لاغتيال جمال عبدالناصر على يد الإخوان المسلمين عندما أطلق عليه الرصاص أحد أعضاء الجماعة وهو يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954، وثبت من التحقيقات مع الإخوان المسلمين أن محمد نجيب كان على اتصال بهم وأنه كان معتزمًا تأييدهم إذا ما نجحوا في قلب نظام الحكم.
جمال عبد الناصر
تكرر الخلاف بين «ناصر ونجيب»، وانتهى بتنحية الثاني، بينما جاء الأول رئيسًا للجمهورية في 26 أكتوبر1954، حاول محمد عبداللطيف، أحد أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، اغتيال عبدالناصر، عندما كان يلقي خطابًا في المنشية، وبعد عودته إلى القاهرة، اعتقل عددًا من أعضاء «الإخوان»، وأقال 140 ضابطًا مواليًا ل«نجيب»، كما حكم على 8 من قادة «الإخوان» بالإعدام.
رأى ناصر أن الحفاظ على الموقع الريادي الإقليمي لمصر، يكون باللجوء إلى الكتلة الشرقية فأبرم اتفاق شراء أسلحة من تشيكوسلوفاكيا، وأصبح ميزان القوى بين مصر وإسرائيل أكثر تعادلًا.
وتعزز دوره كقائد للعرب يتحدى الغرب وسعت جهود عبدالناصر للتصدي للاستعمار في أفريقيا وآسيا، وتعزيز السلام العالمي في ظل الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفييتي، وقدم الدعم من أجل استقلال تونس والجزائر والمغرب عن الحكم الفرنسي، ودعم حق عودة الفلسطينيين.
جمال عبد الناصر
وبعد مؤتمر «باندونج»، أعلن «الحياد الإيجابي» لمصر بشأن الحرب الباردة. وفي عام 1958، أقام وحدة اندماجية مع سوريا إلا أنها لم تدم طويلاً، حيث حدث انقلاب في سوريا، سبتمبر1961، مما أدى إلى إعلان الانفصال، وبعد نكسة 1967، خرج عبدالناصر على الجماهير معلنًا تنحيه عن منصبه، إلا أن المظاهرات في العديد من مدن مصر وفي القاهرة طالبته بعدم التنحي، فعدل عن قراره وخاض حرب استنزاف ضارية ومؤلمة لإسرائيل.
وظل الزعيم جمال عبدالناصر رئيسا إلى أن داهمته نوبة قلبية وتوفي في 28 سبتمبر 1970، عن 52 عاما، بعد 16عامًا قضاها في الحكم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.